قصة توبة أبي محجن الثقفي رضي الله عنه:
لقد رُوي عن الحسنِ بنُ عمرُ البرمكي وأبو الحسينِ بنُ النقور أنّهم قالا: أنا أبو طاهرُ محمد بنُ عبد الرحمن المُخلص، أنهُ روي عن محمد وطلحة وابنُ مخراق وزيادٍ قالوا: عندما اشتدّ القِتال بالسوادِ، يعني في القادسية، وكان أبو مِحجن محبوسٌ وكان مُقيداً وهو في القصر، وجاءَ إلى سلمى بنتُ حفصة زوجةُ سعدٍ، فقال: يا بنتُ آلَ حفصةَ، هل لكَ إلى خيرٍ؟ فقالت: وما هو ذلك؟ فقال لها تبتعدين عني وتقومي بمعايرتي بالبلقاء.
ولكن للهِ عليّ إن سَلمني الله بأن أرجعَ حتى أضع قدمي في قيدي، وإن أصبتُ فما أكثرَ من أفلت، فقالت: ما لي وذاك؟ فعادَ يوسف في قيودهِ ويقول:
كفى حُزناً أنّ تردي الخيلَ بالقنا وأترك مشدوداً عليّ وثاقِيا.
إذا قُمت عناني الحديدِ وغُلقت مضاريعُ دوني قد تصم المُناديا.
وقد كُنتُ ذا مالٍ كثيرٍ وأخوةٍ فقد تركوني واحداً لا أخاً ليا.
وللهِ عهدٌ لا أخيسُ بعهدهِ لئن فرجتُ أنّ لا أزورُ الحوانيا.
فقالت سلمى: واللهِ إنّي قد استخرت الله وقبلتُ بعهدك، فأطلقتهُ.
وبعدها قام وقادَ فرسهُ وأخرجها من عِند بابِ القصر فَركبها، ثم بعد ذلك دبّ عليها حتى إذا كانَ بحيال الميمنة قد كَبر، وبعدَ ذلك، حملَ على مسيرةِ القومِ يستعرضُ بِرمحهِ وسِلاحهِ بين الصفوف، ثم بعدها رجعَ خَلفَ المُسلمين إلى المسيرةِ، فَكبّرَ على ميمنةِ القومِ يستعرضُ أيضاً بين الصفوف بسلاحهِ ورُمحهِ، وبعدها عادَ إلى المسلمين إلى القلبِ، فبَدرَ أمام الناسَ، وحملَ على القومِ يلعب بين الصفينِ بسلاحهِ ورُمحهِ، وكانَ يقصفُ الناس ليلتئذ قصفاً مُنكراً، وذُهلَ الناس منهُ بالرغم أنّهم لا يعرفونهُ، ولم يروهُ من أولِ النهار.
فقال بعضُهم: أوائلِ أصحابِ هاشم، حتى قيل أنّ هاشم نفسه، وقال بعضهم: إذا كانَ الخضرُ يشهدُ الحروب، فعلى أغلبِ الظنّ أنّ صاحب البلقاء هو الخِضر.، وبعضهم قال: واللهِ لولا أنّ الملائكةِ لا تُباشرُ لقلتُ: ملاك بيننا ولا يذكرهُ الناسُ ولا يأبهونَ لهُ؛ ولأنّهُ باتَ في محبسهِ، وأصبحَ سعد يقول:
واللهِ لولا محبسُ أبي محجنِ لقلتُ: إنّ هذا أبو مِحجنُ وهذه البلقاء، فلما صار نصفَ الليل تحاجز الناس وتراجع المُسلمون. وجاءَ أبو مِحجنُ حتى دخلَ من حيثُ خرجَ، فوضعَ عن نفسهِ وراحلتهِ وأعادَ رِجليهِ في قيديهِ
وذَكرَ عبد الرزاقِ قال: وأخبرنا مُعمر عن أيوبِ عن ابنِ سيرينِ أنّهُ قال: كان أبو مِحجنُ الثقفي لا يزالُ يُجلدُ في الخمر، فعندما أكثروا عليهم قاموا بسجنهِ وأوثقوهُ، فعندما صارَ يومُ القادسيةِ، فكأنهُ شاهدَ أنّ المُشركين قد أصابوا في المُسلمين، فبعثَ إلى أمّ ابن سعد أو امرأةِ سعدٍ: قال: إنّ أبا محجنٍ يقولُ لك: إنّ أخليتَ سبيلهُ وحَملتهُ على هذا الفرس، وأعطتهُ سِلاحاً حتى يكون أولَ من يرجعُ إليك إلّا أن يُقتل، وأصبح يقول:
كفى حُزناً أنّ تلتقي الخيلُ بالقنا واترك مشدوداً عليّ وثاقيا.
إذا قُمت عناني الحديد وغلقت مصاريعٌ من دوني تصمّ المُناديا.
فخلعت عنهُ القيود وحُملَ على فرسٍ كان في الدارِ وأُعطي سِلاحاً.
ثم بعد ذلك هرعَ يركضُ حتى أدركَ القومِ، فجُعلَ لا يزالُ يحملُ على رجلٍ فيقتلهُ ويدقُ صلبهُ، فالتفت إليه سعدٌ وجعلَ يتعجبُ ويقول: من هذا الفارس؟ قال: لم يلبثوا إلّا وقتاً قليلاً حتى هزمهم الله.
فعاد أبو محجن وأعادَ السِلاح، وجعلَ قدميهِ في القُيودِ كما كان، فأتى سعد وقالت له زوجته: كيف كانَ طبيعةِ قِتالكم؟ فصارَ يُخبرها ويقول: لُقينا ولَقينا، حتى أرسلَ الله شخصاً على فرسٍ أبلق، فلولا أنّي تركتُ أبا محجنٍ من القُيود لقلتُ بأنها بعضُ شمائلِ أبي محجن.
فقالت: واللهِ إنّهُ لأبو محجن، فقد كانَ من حالهِ كذا وكذا، فقصصتُ عليهِ قِصته، فدعا بهِ، وحلّ قيودهُ وقال: لا نجلدكَ على الخمرِ أبداً، فقال أبو محجن: وأنا والله لن أعود إلى شُربها مرّةً أخرى، كنتُ أستأنف أن أدعها من أجلِ جَلدكم. قال: ولم يعود لشربها مرةً أخرى.
وقيل بأنّ أبو مِحجن قال: لقد كنتُ أشربها إذ يُقام علي الحدّ وأطهرُ منهُ بعد ذلك، وأمّا إذ بهرجتني، فو الله لن أشربها أبداً. وكان أبو مِحجن قد أعلن إسلامهُ بعد إسلام ثقيف. وسَمعَ من النبي عليه الصلاةُ والسلام وروى عنه، وكان اسمهُ مالك، وقيل: بأنه عبد الله بنُ حبيب.