قصة ذو القرنين:
رجل سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عنه من اليهود، قال لمشركيّ: اسألوه عن رجل يجول في الأرض، فجاءته الإجابة من عند الله عز وجل في سورة الكهف: “وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ” الكهف:83. هذا الرجل الطواف في الأرض اختلف العلماء في أمره، فقالوا: هل هو نبيّ أم رجل صالح ولكن الصحيح أنه ملك صالح وليس نبي، هذا الرجل أعطاه الله عز وجل قدرات قوية جدًا وكان يتجول في الأرض فيها ويدعو الناس إلى الله ويلزمهم بعبادته فمن هذا الرجل لا نعرفه ولكن اسمه ولقبه ذو القرنين.
من هو ذو القرنين؟
هو رجل قوي العزيمة لا يتوقف عن سعيه وبحثه في نشر الدين الإسلامي فيها، والله تعالى ذكر لنا من رحلاتهِ الثلاث، رحلة في المغرب ورحلة في المشرق ورحلة إلى قومٍ لا يفقهون قولاً، فقال تعالى: “قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا – إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا” الكهف:83- 84. أي أنه أعطاه الله تعالى جميع أسباب الملك وأسباب القوة وأسباب السيطرة وأنه كان يعمل الكثير من الأمور حتى يؤدي تلك الدعوة الإسلامية على أكمل وجه وأنه لم يستعمل جاهه وعزه وثروته وقوته إلّا في طاعة الله تعالى.
رحلات ذو القرنين في الأرض:
الرحلة الأولى من رحلات ذو القرنين: قال تعالى: “حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا”الكهف:86. لقد اتجه أولاً إلى جهة المغرب فهذه الجهة بالنسبة له، فالله أعلم أين بمغربه في ذلك الزمان، وبالنسبة لبلده الذي كان فيه اتجه باتجاه المغرب فأي بلدٍ كان يريد حتى بلغ مغرب الشمس، فقد وجد في ذلك المكان قومًا وجدها تغرب الشمس في عينٍ حمئة، والعين الحمئة هي عين ماء تخرج من الأرض والحمئة أيّ صارت الأرض طينًا بسبب هذه العين، ثم بدأت تجف وصار ترابًا أملس وصار لونه داكن، فسميّ بالعين الحمئة.
وبعد ذلك وجد أمةً من الأمم وهو يسير يدعو إلى عبادة الله تعالى، ووصل لهذه البلاد فماذا سيفعل معهم، هل سيقتلهم أم هل سيسيطر عليهم كما كان يفعل الملوك؟ فالملوك كانوا إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، لكن الصالحين يختلفون فهل سيفعلها ذو القرنين.
فقال تعالى: “قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا- وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا” الكهف:87-88. إذن من رحلته هذه تعهد أن يقتل الكافر ويتخلص من كفره وبعدها يرجعه إلى ربه لكي يعذبه أيضًا، ولكن من كان يعبد ربه ومؤمن به فإنه يهديه ربه جزاء الحسنى وإلى أحسن الأعمال.
أما الرحلة الثانية فقد كانت باتجاه المشرق، فقال تعالى: “حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا” الكهف:90. إن القوم الذي صادفهم ذو القرنين كان شأنهم غريب وعجيب، فهم يعيشون في بلد منذ طلوع الشمس إلى غروبها وليس لهم سكن أو مكان يسترون أنفسهم فيه من حرّ الشمس أي أن بيوتهم لا تضللهم من الشمس أبدًا وليس لهم لباساً يسترُون أجسامهم فيها. فما الذي فعله ذو القرنين مع هؤلاء القوم.
لقد فعل معهم كما فعل مع القرية الأولى وكرر قوله تعالى،“قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا- وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا” بمعنى أن الله تعالى اكتفى بقوله “كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا” أي لا داعي لأن أكرر ما سأفعله معهم؛ لأنه من كان ظالم لنفسه ولم يؤمن فإن عذابه وخيم وشديد، أما من كان فيه صالح ويؤمن بربه فله حياة كريمة وله جزاء حسن، فحالهم كحال القوم الأولين.
أما الرحلة الثالثة فقد أكملت في منطقة المشرق، فقال تعالى: “حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا – قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا” الكهف:93- 94.
بمعنى أنه عندما وصل بين جبلين عظيمين وكان بينهما شق بمعنى فتحةً، دخل ذو القرنين ومع جيشه العظيم وبهيبته العظيمة وصل إلى قوم وجد أمة تعيش بين جبلين، فعندما رأوا ذو القرنين بدأوا يشتكون إليه وهم لا يستطيعون الكلام، ولكن ذو القرنين فهم عليهم بما كانوا يريدون قوله له: أدركنا يا ذو القرنين وأنقذنا من قوم يأجوج ومأجوج، فقد آذونا وقتلونا وسفكوا دمائنا وعذبونا، فما رأيك يا ذو القرنين أن نجمع لك مالاً وذهبًا ونعطيك جميع ثرواتنا مقابل أن تخلصنا من هؤلاء المفسدون.
فأجابهم ذو القرنين: “قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا- آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا” الكهف:95- 96.
فأجابهم أنا لا آخذ الذهب ولا أريد المال، ولكن أريد أن يكون رجالكم معي، فقط أعينوني بقوة، ولكن أريد أيديكم معي فقط ابذلوا شيئًا حتى أجعل بينكم وبين يأجوج مأجوج سدًا لكي لا يستطيعون الوصول إليكم أبدًا.
وبدأوا يعملون ويجتهدون، فطلب منهم أن يأتوا له بالحديد فجاءوا به وطلب منهم أن يبنوا هذا السدّ كله من الحديد وجعل بين الحديد قطع من الخشب؛ من أجل الحرق حتى إذا ساوى الصدفين أي ارتفع الحديد إلى مستوى الجبلين، وقال لهم: انفخوا أي ابدأوا بالإحراق وصار الخشب الذي بين الحديد يحترق وبدأ الحديد ينصهر ويتجمع بين الجبلين وبعدها قال لهم: آتوني بالنحاس لكي أذيبه في هذا الحديد، فأصبح السدّ مكون من الحديد المتجمع والنحاس والمعادن الشديدة حتى يصبح أقوى ما يكون من السدود الأخرى.