ما هي قصة زوجة أيوب عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


قصة زوجة أيوب عليه السلام:

قال تعالى: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَالأنبياء:83. لقد ارتبط مصير النبي أيوب عليه السلام وزوجته طوال فترة حياتهما ببعضهم البعض فلا تكاد تذكر قصة واحدٍ منهم إلى وتليها قصة أخرى دون ترتيب أو تنسيق، فقد عاشا مع بعضهما لمدة لا تتجاوز التسعين عامًا، وقد تقاسما مع بعضهما حياة الترف والثروة والصحة والهناء والرفاهية، وبعدها انتقلت حياتهما إلى نوع آخر من العيش الذي لا يستطيع أي أحد أن يتحمله.

إن زوجة أيوب عليه السلام وُصِفت بالرؤوفة والرحيمة والحنونة والجميلة أيضًا واسمها “رحمة بنت إبراهيم” التي تعد مضربًا للمثل لإمرأة زاد عليها البلاء وبقي ملازم لها الشقاء فترة طويلة، فتعلمت كيف تصبر على شقاء الحياة وبلائها حتى أنها تعلمت الصبر، وأيوب عليه السلام من الأنبياء المنصوص إليهم بالوحي، فلقد كان ينزل عليه وحي الله جبريل عليه السلام، فكان صاحب رسالة وأمانة فلم يفرط فيهما أبدًا.

إن الله تعالى يقول في كتابه الكريم: “إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ” النساء:163.

لقد كان النبي أيوب عليه السلام كثير المال والجاه والمواشي والأنعام والأبقار والأراضي وصاحب خيرات كثيرة وكان له زوجة جميلة المنظر حسنت الوجه طويلة الشعر، فكانت تجعلُ شعرها دائمًا على شكل ضفيرتين طويلتين يضرب بهما الأمثال، وكان للسيدة رحمة ثلاثة عشر من الأولاد فقد كانت رفيعة القدر وعالية المكانة، فكان يخدمها العبيد والخدم والجواري وبالرغم من شدة غِناها ووفرة نعم الله عليها، إلّا أنه لم يساورها الكِبر أبدًا ولا حتى الغرور ولم ترى نفسها على الناس وتتكبر، لا بل كانت دائمًا شكرها يزيد وحمدها يكثر ولسانها ذاكر.

الابتلاءات التي بعثها الله لاختبار أيوب وزوجته عليهما السلام:

لم تدم النِعم والرفاهية طويلًا على نبي الله وزوجه، فقد بدأت تنهلُ الاختبارات وتأتيها أولًا بأول، فبدأت بأبناء السيدة رحمة فصاروا يموتون واحدًا تلو الآخر حتى ماتوا جميعًا، فهي تعتبر من النساء التي مات لها أولاد كُثر.

ثم بعد ذلك بدأت ثروة زوجها أيوب عليه السلام بالتناقص والرجوع للوراء حتى أنها اختفت وزالت وبدأت المواشي والدواب تُنفق واحدة تلو الأخرى، فبعضها صار يموت وأصبحت الأرض الواسعة بورًا وصحراء قاحلة وناشفة، فلم يعدّ يملكون المال ولا حتى الطعام ليكفيهم وصار يبتعد عنهم الأهل والأصحاب.

لم يقتصر حال أيوب وزوجته عليهما السلام عند ذلك فحسب، بل صارت تظهر عليه علامات المرض الشديد عليه حتى أجلسه وأتعب جسمه وصحته ولم يعدّ قادرًا على الحِراك فقد سيطر المرض على جميع أعضاءه ولم يبقى سليمًا عنده سوى قلبه ولسانه.

موقف زوجة أيوب عليه السلام من مرض زوجها:

إنّ مع قلة الدواء والفقر واشتدادِ المرض بحال النبي أيوب عليه السلام فإن زوجته لم تتركه في محنته وبلائه وفقره وعجزه وقلة حيلته، بل فكرت بأن تعمل خادمة في البيوت حتى تستطيع أن تؤمن الطعام والدواء لزوجها ولنفسها، فقد كانت تعمل طول النهار وعندما تنهي عملها كانت تأخذ مقابل عملها مالًا قليلًا لا يكاد يغطي حاجتها وحاجة زوجها، فكانت تجلب وجبة طعام واحدة وتتقاسمها مع زوجها فيأكلان ويحمدان الله على ما حلّ بهما، بالإضافة أيضًا أنها كانت تعتني بزوجها وتصلح من شأنه.

وفي أحد الأيام الشاقة وعند انتهائها من عملها في أحد البيوت وفي طريقها لبيتها تعرض لها شخصًا ما، فقد كان يبدو من هيئته أنه طبيب فقال لها: إني طبيب وعندي قدرة على أن أشفي زوجك، لكن عليه أن يقول إنني أنا الذي أشفيته ولا أحد غيري شفاه، فلما وصلت رحمة إلى بيتها أخبرت زوجها بما حدث معها، فعلم النبي أيوب أن ذلك هو الشيطان وجاء متخفيًا في صورة طبيب فلا شفاء إلا من عند الله تعالى فأخذ على خاطره من زوجتهِ، وحلف بأنه إذا شُفي ليضربنها مئةُ ضربة.

فصار المرض يشتدّ على أيوب عليه السلام وأصدرت إشاعة بأن مرضه مرض مُعدٍ، لذلك اتفق أهل القرية أن يخرجوه خارج القرية وأن يضعوه في مكانٍ مهين وغير لائق.

لقد تطورت الحالة على السيدة رحمة وانتشرت شائعة مرض عدوى زوجها وخشيت البيوت على نفسها من أن تنتقل العدوى إليهم فلم يستقبلها أحد في بيته من أجل العمل، فقد كانت ضفائر السيدة رحمة ذات سيط كبير في بيت الأغنياء وكانت معروفة لديهم بأنها الجميلة ذات الشعر الطويل، فلما ضاقت الأحوال عليهم بشدة قررت أن تبيع إحدى ضفائرها لسيدة من سيدات الأغنياء التي كثيراً كانت تطلب منها بإلحاح ذلك الأمر، فقد أخذت زوجة أيوب ثمن تلك الضفيرة وجلبت لزوجها طعام طيب، فتعجب من ذلك الطعام وسألها؟ من أين لكي بثمن الطعام الطيب هذا، لكنها طلبت منه بأن يدعو ربه، فأجابها أيوب بأنه يخجل من الله سبحانه الذي أحياه سبعين عامًا بلا داءٍ ولا مرض وقال لها: “الحمد لله الذي جعل لي لسانًا ذاكرًا وقلبًا خاشعًا”.

وفي اليوم التالي قامت بفعل ما فعلت في اليوم الذي قبله وباعت ضفيرتها الثانية وتنازلت عن جمالها وشعرها؛ لكي تطعم زوجها، فما أصعبها من لحظات التي لم تسمح لليأس بأن يسيطر عليها أو على زوجها ولم تسمح للقنوط بأن يدق بابها، بل ظلت مؤمنة وصابرة ومحتسبة عند الله، فقدمت كل ما تملك حتى ضفائرها فأحست براحة عجيبة في نفسها.

وعندما جاءت اليوم الثاني وجلبت الطعام للنبي أيوب أقسم ان لا يأكل حتى تخبره من أين أتت بهذا الطعام، فكشفت السيدة رحمة عن رأسها فرآه كله وقد حُلق واختفى فتأثر أيوب عليه السلام بذلك المنظر، فدعا ربه قائلا: “ربي إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين”. ففي هذه الحال لم يستطع أن يصنع شيئًا، فرفع يديه إلى ربه يدعو لنفسه ويدعو لزوجته على ما فعلت من أجله، وما حلّ بجمالها وبشعرها من أجل أن تُطعمه وتجلب له الدواء، فيا لها من سيدة عظيمة وصبوره ومكافحة من أجل زوجها.


شارك المقالة: