اقرأ في هذا المقال
الشخص حينما يعطي شيئًا لإنسان فإنه يثمنه بقدرته، سواء كان بكلمة ثناء أو ما شابه ذلك، لكن الله تعالى يثمن الأمور على غير شكلها.
موقف عثمان بن عفان من جيش العسرة
عندما جهز عثمان بن عفان رضي الله عنه جيش العسرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم” لماذا لم يضرّ؛ لأنه باع بضاعته إلى صاحب كل الفضل (في سبيل الله)، فالذي يعطي رياء الناس فهو يختار الشيء الدنيء؛ وذلك لأن بعض الناس لا تُثمن الخير ولكن تبخس الثمن، فمرآءات الناس لا تعطي ثواب الله، فلماذا يقوم الناس على عطاء ما وهم يعلمون أنهم قد يحسدونهم على بعض النِعم، وقد ينتقل بعض شرورهم لينهبوها من الشخص فلماذا الرياء لهم.
فالله تعالى يقول في كتابه العزيز: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ” فدلالة هذه الآية هي أن الله تعالى اشترى من المؤمنين أنفسهم التي خلقها الله لهم، واشترى أموالهم التي هي موهوبة لهم منه تعالى، وأنه أعطى مقابل ذلك الثمن الكبير وهو النعيم الخالد الذي يذهب إلى غيرهم، وأنه أيضًا لا يفوتونه بخلافة أو موت فإنه يعطي الجنة، فالجنة عبارة عن شيء غالي الثمن ولا يقابله بالغلاء شيء، فالله تعالى قدم لهم الجنة.
العبرة المستفادة من قصة عثمان بن عفان مع جيش العسرة
خلاصة الأمر هي أن كل من يرائي الناس يعتبر من أهل الخسران ولا يعرف بأصول التجارة ولم يقول لنفسه مع من يتاجر، فلذلك شبهه الله تعالى بقوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ” البقرة:264.
فعبارة الصفوان هي المروة وتعتبر زلطة كبيرة ويوجد عليها شيءٌ من التراب، وأطلق أيضًا على المروة بأنها الناعمة فإذا ما سقط عليها الماء أزيح كل التراب ولم يبقى عليها شيء.
لا ينفق أحد رياء الناس إلا إذا كان إيمانه ضعيف وليست لدية الخبرة الكافية بأصول البيع والشراء؛ لأن الإنسان عندما يريد أن يبيع سلعة، ويأتي شخص آخر ليشتريها بسعرٍ غالٍ ومكفول فما الذي يجبره على أن يلقي بها تحت أقدام أناسٍ آخرين لا يستطيعون دفع ثمنها، حتى ولو كان عندهم القدرة على شرائها فإن الثمن سيكون قليل بالقياس إلا ما وعد الله عباده.
ويتوجب على كل شخص يريد أن يعطي شخص ما أن لا يتباهى به أمام الآخرين ويقول أنه أنفق فلا يحق له أن يقوم بالدعاية أمام الآخرين ويقول أنه يعطي، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: “رجلٌ تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه” أخرجه البخاري. وذلك بدليل قوله عليه الصلاة والسلام “إن اليد العليا خير من اليد السفلى“.
فمن المفروض على الإنسان أن يستر إنفاقه في سبيل الله تعالى عن بعض الناس لكي يكسب الأجر والثواب وأن يكسب الخير كله عند ربه، فالله تعالى لا يريد أن يضيق على مجال الإعطاء بدليل قوله تعالى: “إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” البقرة:271.