ما هي قصة عزير عليه السلام مع حماره؟

اقرأ في هذا المقال


قصة عزير عليه السلام مع حماره:

إن في قصةِ عُزير عليه السلام ما يُؤيد صدق الرجل في أنه تصور الزمن الذي مرّ عليهِ يوماً أو بعض يوم، وما يؤيد صدق القول هو قول الله تعالى: “بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ” وذلك لأن الرجل كان معهُ حمارهُ، وكان معهُ طعامهُ وشرابهُ مُكون من عصير وعنبٍ وتين، وأراد الله سبحانه أن يُدلل على الصدق في القضية معاً، فقال الله الحق: “فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ” ونظر الرجل إلى طعامهُ وشرابه فوجد الطعام والشراب لم يتغير منهما شيء.
ومعنى عدم التغير أنه لم يمكث إلا يوماً أو بعض يوم. فكان هذا الأمر دليل على صدق الرجل، فبقيت مسألة الرجل مائة عامٍ فقال تعالى: “وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ” فهذا الأمرُ يدلُ على شيئاً عجيباً قد حصل، وهي آية، والآيةُ تعني شيئاً عجيباً، وأراد الله له أن يُبين بطلب النظر إلى الحِمار، أنّ يجد الرجل عِظام الحمارِ منشرةً في كل مكان وهذا الأمرُ لا يحدث في يوم وليلة، وأن الحمار لا يمكن أن يموت الحمار ويرم جسمهُ ثم ينتهي لحمهُ إلى رماد، ثم تبقى ثم تبقى العظام مبعثرة.

إنّ حدوث ذلك الأمرُ للحمار يتطلبُ زماناً طويلاً، لا يتسعُ لهُ إلا مائة عامٍ، فكأن نظرة الرجلِ إلى الحمار تجعلهُ يصدق أنه لبث مائة عام، ونظرة الرجل إلى الطعام تجعله يصدق أنهُ لبث يوماً أو بعض يوم، فاللهُ تعالى يُريدُ أن يُثبي لنا أنهُ عو القابض والباسط لجميع الأشياء، وإنهُ هو الذي يقبضُ الزمن في حقِ شيءٍ وأنهُ يُبسط الزمنُ في شيءٍ آخر، والشيئان متعاصران معاً، وتلك العملية لا يمكن أن تكون إلا لقدرةِ الله تعالى.

دليل قول الله تعالى: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ

إن الله تعالى يقول: “وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ“. فمن هم الناس الذين سيجعلُ الله من قضية الذي مرّ على تِلك القريةِ “آيةً” لهم؟ لقد كان لا بدّ أن يوجدُ أناسٌ في القصةِ، ولكن القرية كانت خاويةً على عروشها، فلا إنسانٌ ولا بنيان. فهل هم الناس الذين كانوا في القريةِ أم سِواهم؟ لقد قال بعض المفسرون هذا، وقال بعضهم الآخرُ ذاك.
إن أصدقُ شيءٍ يتصلُ بصدق الله تعالى في قولهِ: “وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ” فهذه الآيةُ دليلٌ على قبض الله الزمن في حقِ شيءٍ وبسطهِ في حق شيءٍ آخر، وهو ما يلي:
– إنّ عزيراً هو ذلك النبيّ الذي مرّ على تلك القريةِ كما قال جمهور العلماء.
– وأنّ عُزيراً من الأشخاص الأربعةِ الذين يحفظون التوراة.
– وإن أربعةً فقط هم الذين حفظوا التوراة هم، عيسى ابن مريم، وموسى وعُزير ويُوشع عليه السلام.
فقد أراد الله أن يرى عُزيراً العِظام كيف يُنشزها بقدرتهِ تعالى، ثم يكسوها لحماً؛ فإنّ عُزيراً رأى مرأى العين عملية الإحياء. فقد قال العُزير من قبل: كيفَ يُحيي الله هذه القريةِ بعد موتها، واللهُ تعالى أراهُ هذه التجربةَ عمليّاً، قال له: انظر إلى عظام حِمارك نُنشزها: أي نرفعها، أي نرفعُ كلّ عظمةٍ من الأرض، ونُركّب كلّ عظمةٍ في مكانها، وبعد ذلك تأتي الحياةُ لتدبّ في الحمار، ولقد وجدَ عُزير الحياة في نفسهِ ورآها في الحِمار.

كيف يحيي الله هذه القرية بعد موتها؟

إنّ قول السائلُ كيف يُحيي الله هذه القريةِ بعد موتها؟ وقولُ إبراهيم خليل الرحمن: “أرِنِي كَيفَ تُحي المَوتى”؟ إنّ هذان القولان لا يُنفيان الإيمان عن السائلُ عن عمارةِ القريةِ بالحياةِ، ولا عن إبراهيم عليه السلام، ولكن كِليهما مشتاقٌ إلى معرفة الكيفيةِ؛ ليعيش في جو الإبداع لمن أنشأ هذه الصنعةِ، وعندما يسأل الرجل المؤمن: “أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا“؟ فنحنُ نجدُ لازمّاً وملزوماً، والمقصودُ هو الإثنان، إنهُ يتكلم عن قريةٍ خاوية على عروشها، ويتساءل عن الإحياء. والإحياء كما نعرف يكون للبشر الذين سيقومون بالحركةِ التي تُعمّر وجود تِلك القرية، فكأن الناس لهم موت، والقريةِ بأنقاضها لها حياة ولها موت.

وسؤال العبد المؤمن: “أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا” جاءت الإجابة لسؤالهِ إجابة عملية. فقد كان سؤال العبد المؤمن عن الكيفية. وهناكٌ شيء نقتنع به بالدليل، وشيء تقتنع به بالمشاهدة، وقد أراد الله أنّ يجعل الدليل إيمان مُشاهدة: “فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ” لم يجعل الله الدليل المشهدي في القرية، إنما جعلَ الله الدليلُ المشهدي في ذات السائل، فقال تعالى: “فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ” فيُخبرنا الله تعالى بحوارٍ دار بينهُ وبين هذا العبد، فإما أنّ يكون الحق سبحانه قد كلمهُ كما كلّم موسى عليه السلام، أو سمعَ العبد المؤمن صوتاً أو مَلكاً، فالمهم أن سؤالاً قد حدث: “كَم لبثتَ” فقال الرجل: “قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ” إنّ إجابة الرجل تعني أنهُ قد تشكك، فقال المفسرون: إنهُ وجَدَ اليوم قد قارب على الإنتهاء أو انتهى، أو أنهُ عندما رأى الشمس مُشرقةً أجاب هذه الإجابة، قال ذلك؛ لأنه لا يستطيع أن يتحكم في تقدير الزمن، فهل هو صادقٌ في قوله أم لا؟ نعم إنه صادق؛ لأنهُ لم يرَ شيئاً قد تغيرَ فيه، ليحكم بمقدار التغيير.

لو كان عُزير عليه السلام نامَ بشعرٍ أسود، وقام بعد ذلك بشعرٍ أشيب، لو حدثت آيةُ تغيراتٍ عليه لكانَ قد أحسها ولمسها، ولكنهُ لم يجد أي تغييراً، فماذا كان جواب اللهُ تعالى: “لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ” فنحنُ هنا أمام قولين ويكادُ الأمرُ أن يُصبح لغزاً، وهو قول الرجل الذي يقول: “لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ” والثانية قوله تعالى: “بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ” فالله تعالى مصدقٌ ومُنزهٌ وأنّ العبد المؤمن صادقٌ في حدود ما يرى من أحوالهِ. فما هو هو الدليل على أنّ الرجل قد مات مائة عام وعاد إلى الحياة.


المصدر: كتاب أطلس تاريخ الأنبياء، تأليف سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوثكتاب قصص الأنبياء تأليف الكاتب محمد متولي الشعراوي.كتاب قصص الأنبياء، تأليف الطيب النجار.كتاب قصص الأنبياء، للحافظ ابن كثير.كتاب البداية والنهاية- قصة عُزير عليه السلام- الجزء الثاني.


شارك المقالة: