قصة علي بن أبي طالب والتعاقد:
لقد كان أعظم وأنجح نصر في الإسلام هو عقد الحديبية، فقد هدئت قريش وتفرغ النبي عليه الصلاة والسلام ومن معه إلى دعوة القبائل التي كانت تحيط بها بلد الإسلام. ولكن الناس لم يخطر ببالهم فيما كان بين النبي عليه الصلاة والسلام وربه، وقد كان العباد دائمًا يتعجلون فالله تعالى لا يعجلُ على قدر عجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد.
وعندما حان وقت التعاقد بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين قريش في الحديبية، وبدأ علي بن أبي طالب في كتابة صيغة المعاهدة، كتب: هذا ما صالح عليه محمد عليه الصلاة والسلام، فاعترض سهيل بن عمرو وقال: والله لو علمت أنك نبي الله لما قاتلتك ولكن أكتب ما سأملي عليك: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو.
وشددّ أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام على أن تُكتب صفة محمد عليه الصلاة والسلام كرسول، لكن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله”. أخرجه عبد الرزاق.
أما عليّ بن أبي طالب فقد أصرّ على أن يكتب صفة محمد عليه الصلاة والسلام كرسول من الله، فيُحق الحق تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يقول لعليّ: ستُسام مثلها فتقبل، أي أنه سيطلب منك بغير اختيار.
وعندما تولىّ علي بن أبي طالب بعد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، وحدثت المعركة بين علي ومعاوية، ثم اتفق الطرفان على عقدِ معاهدة، وكتب فيها: هذا ما قاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فرد عمرو بن العاص نائب معاوية: اكتب اسمه واسم أبي وهو أميركم وليس أميرنا.
وفي تلك اللحظة فقد تذكر علي بن أبي طالب ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: ستُسام مثلها فتقبّل، وعندما قبِلها فقال: امحُ أمير المؤمنين واكتب هذا ما قاضى عليه عليّ بن أبي طالب، وبعدها تحقق مقولة النبي عليه الصلاة والسلام.
ومن أهم الوقائع التي تقوي الإيمان قصة عمار بن ياسر الذي كان ضمن صفوف عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في المواجهة مع معاوية وقتله جنود معاوية، وصرخ المسلمون وقالوا: “ويحَ عمار أتقتله الفئة الباغية” رواه البخاري. فهذا ما قد قاله عليه الصلاة والسلام.
وبذلك فقد عرف المسلمون بأن الفئة الباغية كانت فئة معاوية، وذهب الكثير من المسلمين الذين كانوا في جهة معاوية إلى جهة علي بن أبي طالب، فذهب عمرو بن العاص إلى معاوية وقال: تفشّت في الجيش فاشية، إن استمرت لن يبقِ معنا أحد، فقد قتلنا عمار بن ياسر وذكر صحابة النبي عليه الصلاة والسلام قوله: ويحَ عمار، تقتله الفئة الطاغية وقد فهم المقاتلون معنا هو أن الفئة الباغية هي فئتنا.
وكان معاوية من الدهاء بمنزلة، فقال: اسرع في الجيش وقال: إنما قتله من أخرجه، أي أنه كان يعني عليّ وعندما وصل هذا الكلام لعليّ بن أبي طالب قال: ومن قتل حمزة بن عبد المطلب، وقد أخرجه من أجل أن يقاتل محمد عليه الصلاة والسلام. فقال تعالى: “كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ” الرعد:30. أي أن الحق قد أرسلك يا محمد بمعجزة تناسب ما نريد فيه قومك، وطلب غير ذلك هو جهل بواقع الرسالات وتعنت يقصد فيه مزيد من ابتعادهم عن الإيمان.