قصة عودة أخوة يوسف عليه السلام إلى أبيهم

اقرأ في هذا المقال


عودة أخوة يوسف عليه السلام إلى أبيهم:

لقد جاء وقتُ العِشاء، وجاء الأبناء يصرخون ويبكون لكي يقولوا لأبيهم قصةُ الذئب التي اخترعوها لقتلِ يوسف، فقد أخبروا أبيهم بأننا ذهبنا نلعب ونستبق وبقي يوسف عند أمتعتنا وجاء الذئبُ وأكلهُ على غفلةٍ ونحنُ لا نعلم عنه شيء. فقد ألهاهم الحقدُ الفائرُ عن سبك الكذبة، فلو كانت أعصابهم هادئة ما فعلوها من المرة الأولى التي يأذن لهم فيها يعقوب عليه السلام باصطحابِ يوسف معهم، ولكنهم كانوا مُعجلين لا يصبرون، يخشون بأن لا تسمح لهم الفرصة مرةً أخرى. وكانت حكاية الذئب هي دليلاً على التسرع وهي الحكاية التي كان أبوهم يحذرهم منها أمس وهم ينفونها، فلم يكن من المستطاع أن يذهبوا في الصباح ليتركوا يوسف للذئب الذي حذرهم أبوهم منه أمس.
وفي مثلِ هذا التسرع فقد جاءوا على قيميصهِ بدمٍ كذب لَطخوهُ به من غيرِ إتقانٍ ونسوا في انفعالهم أن يُمزقوا قميص يوسف، فقد تركوه على حاله ولم يحدث له شيء فقد نسوا أن يمزقوه لكنهم لطخوهُ بالدم الكثير، وقد انتهى كلامهم بدليلٍ قوي على كذبهم حينما قالوا: “قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ” يوسف:17. أي وما أنت بمطمئن لما نقوله، ولو كان هو الصدق؛ لأنك تشك فينا ولا تطمئن لما نقوله.
لقد أدرك يعقوب عليه السلام من دلائل الحال ومن نداء قلبه ومن الأكذوبة الواضحة، أن يوسف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدةً ما وأنهم يلفقون له قصة لم تقع، فواجههم بأن نفوسهم قد حسنت لهم أمراً منكراً وذللتهُ ويسرت لهم ارتكابه؛ وأنه سيصبر متحملاً متجملاً لا يجزع ولا يفزع ولا يشكو، مستعيناً بالله على ما يلفقونهُ من أكاذيب وحيلٍ ماكرة: فقال لهم في قول الله تعالى: “قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ واللهُ المُستعانُ على ما تَصفُون” يوسف:18.

حياة يوسف عليه السلام في البئر:

في أثناء تواجد النبي يوسف عليه السلام في البئر، مرّت عليه قافلة في طريقها إلى مصر، وهي قافلةً كبيرةً، وقد سارت هذه القافلة مسافةً طويلةً لذلك سميت بالسيارة، وقد كانوا أصحاب هذه القافلة قد أرهقهم العطش، فقد توقفوا عند هذا البئر من أجل شرب الماء والتزود منه أثناء مسيرهم، فقد أرسلوا أحدهم للبئر وأدلى دلوهُ، فقال أحدهم إن ماء هذا البئر ليست صالحةً للشرب، فأجروا المحاولة عليه وأدلوا بدلوهم، وإذا بيوسف يتمسك بالحبل ظنّ أن من دلاه بأن الدلو قد امتلأ بالماء فسحبهُ، ففرح بما رأى، فقد رأى غُلاماً متعلقاً بالدلو، فقد سرى على يوسف حكم الأشياء المفقودة التي يلتقطها أحد، فيُصبحُ يوسف عبداً لمن التقطه، فهذا هو قانون ذلك الزمان.
لقد فرحَ الشخض الذي وجده في البداية، ثم زهد فيه حين فكر في همه ومسئوليته، وزهد فيه أيضاً؛ لأنه وجدهُ صبياً صغيراً، وقد عزمَ على أن يتخلص منه حينما يصلُ إلى مصر ولم يكد يَصلُ إلى مصر حتى باعه في سوق الرقيق بثمنٍ زهيد أو ما يُقال بدراهم معدودة، ومن هناك فقد اشتراه شخص ذاتُ أهميةٍ كبر وشأنٍ عالٍ. ومن هنا فقد انتهت مرحلةُ البئر لكي تأتي مرحلةُ البيع والشراء.
ثم يكشفُ الله تعالى مضمون القصةِ البعيد في بدايتها، وهيقوله تعالى: “وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” يوسف:21. فقد انطبقت جدران العبودية على يوسف، وألقيَ في البئر وأُهين وحُرم من أبيه، وأخرجوه من البئر وصار عبداً يُباعُ بالأسواق، وشرائه بثمنٍ قليل لأحد كبار مصر، وصار عبداً لهذا الرجل الذي اشتراه. لقد انطبقت المأساة وأصبح يوسف بلا حولٍ ولا قوةٍ فهكذا يظن أي إنسان، غير أن الحقيقةُ هي عبارة عن شيءٍ مختلف تماماً عن الظن.
إننا ما نتصوره نحن بأنه مأساةٌ ومحنةٌ وفتنة، لكن بالعكس تماماً، فقد كانت تلك الأمور هي بدايةُ السلم من أجل الصعود إلى مجدهِ، فقال تعالى: “واللهُ غالبٌ على أمرهِ” يُنفذُ أمرهُ بالرغم من تدبير الآخرين، فينفذُ تدبيرُ الآخرين فيُفسدهُ ويتحققُ وعدُ الله، وقد وعدَ الله يوسف بالنبوة.
وها هو يوسف يُلقي محبتهُ على من اشتراهُ، وها هو ذا السيدُ يقول لزوجته أكرمي مثواهُ عسى أن ننتفعَ به أو أن نتخذَ منهُ ولداً لنا، وليس هذا السيد رجلاً هينَ الشأن، إنما هو رجلٌ مهم وهو من الطبقة الحاكمة في مصر، وأنه وزيرٌ من وزراء الملك وأسماهُ القرآن” العزيز” فكان قدماء مصر قديماً يُسمون العزيز والعادل والحاكم والمسؤول، ولكن أرجحُ الآراء هو أن العزيز هو رئيس وزراء مصر.
وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض، وأنه سيتربى كصبيّ في بيت رجلٍ يحكم، وسيُعلمهُ الله من تأويل الأحاديث والرؤى وأنه سيحتاجونه في القصر يوماً ما، فقال تعالى: “وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” يوسف:21. فتم كل ذلك من خلال فتنةٍ قاسيةٍ تعرض لها يوسف.

المصدر: كتاب أطلس تاريخ الأنبياء، تأليف سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوثكتاب قصص الأنبياء تأليف الكاتب محمد متولي الشعراوي.كتاب يوسف في القرآن والتوراة، للدكتور زاهية الجيلاني.كتاب يوسف الأحلام" قصة يوسف عليه السلام" للشيخ محمود المصري.كتاب يوسف عليه السلام بين مكر الأخوة وكيد النسوة، تأليف محمد علي أبو العباس.كتاب إتحاف الإلف من سورة يوسف عليه السلام، تأليف محمد بن موسى نصر وتأليف سليم بن عيد الهلالي.


شارك المقالة: