ما هي قصة لقمان الحكيم؟

اقرأ في هذا المقال


قصة لقمان الحكيم:

كان هناك رجل عبدًا فقيرًا رثّ الهيئة ومسكين وكلّ من نظر إليه لربما احتقره واستغرب من هيئته وهو أشعث أغبر، كان يعيش في بلاد تسمى النوبة في جنوب مصر وكان رجلًا أفطس كبير الشفتين وقصيرًا ومشقق الرجلين، يعيش مثل غيره من الناس حاله كحالهم، لكن الله تعالى دبّ في قلبه علمًا كبيرًا وواسعًا، حتى ظن بعض الناس واختلفوا بأن من المعقول أن يكون هذا نبيًا من الأنبياء أم إنه عبد صالح وهبه ربه ذلك العلم والحكمة.

لقد أجمع جمهور العلماء على أنه عبد صالح وهو من أعبد الناس في زمنه وأن الله تعالى ملأ قلبه حكمةً وعلمًا، إنه “لقمان” ولقبوه في ذلك الزمن بلقمان الحكيم؛ لأنه ملمٌ بجميع أنواع الفهم والذكاء والحكم العظيمة والقيّمة.

لقد سمّى الله تعالى سورة في القرآن الكريم لقمان؛ وذلك لعظم شأنه وحكمته، “وربما بأشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره” رواه ابو هريرة. أي أنه لا شكل له ولا ملابس تليق به، فهو عبارة عن إنسان فقير، فلو قال: يا رب أريد ان يحصل كذا وكذا لتحقق له ما يريد. فلا يُحكم على الإنسان من مظهره ولبسه وشكله أو ما شابه ذلك، ولكن الأمر كله  يتعلق بقلب إذا صلُح مع الله وصارت علاقته مع الله، فقد صار وليًا من أولياء الله ومن عادى وليًا فقد آذنته بالحرب.

بل يتدرج الإنسان بالعبادة حتى يصير، فيقول الله تعالى في الحديث القدسي: “حتى كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأُعيذنه”، فهؤلاء هم أولياء الله. فقال تعالى: “أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” يونس:62.

وفي يوم من الأيام كان لقمان الحكيم عبدًا عند أحد الملوك، وناداه مولاه فطلب منه أن يذبح له شاة وأن يستخرج منها أطيب مضغتين فيها، فقطع اللسان وأخرج القلب وأعطاه إياها، فسأله ما هذا؟ فأجابه لقمان الحكيم، هذا اللسان والقلب.

وبعد مرور الأيام طلب سيده من لقمان أيضًا نفس الطلب وهو أن يذبح له شاة وفي هذه المرة طلب منه بأن يخرج منها أخبث مضغتين، فأخرج أيضًا اللسان والقلب وأعطاهما لسيده، فسأله ماذا تفعل؟ لقد طلبت منك أطيب مضغتين أخرجت اللسان والقلب وأخبث مضغتين أخرجت لي اللسان والقلب، فأجابه لقمان نعم؛ لأنهما أطيب مضغتين إذا طابتا، وهما أخبث مضغتين إذا خبُثتا، فقال تعالى: “وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ” لقمان:12

ما هي رأس الحكمة عند لقمان الحكيم:

لقد كان لقمان لا يتكلم كثيرًا فقد كان يحب الصمت، لكن إذا تحدث يصبح حديثه وكلامه كله حِكم، فقد كان لا ينطق إلا بالحكمة والعلم، فالكل يعرفه أنه حكيم زمانه فقد ترقى في العلم والعبادة والحكمة، حتى أنه ذات يوم رآه رجل وقال له: ألست أنت الذي كنت عبدًا لفلان، فأجابه، نعم، فقد أنعم الله تعالى عليّ بما تراه أنت من العلم والدين والحكمة، فقال له بما: قال بطول الصمت وعفي لساني وغضي لبصري بما لا يعنيني.

لقد كان يقول للناس: تعلموا العلم لا لتجادلوا به العلماء أو تماروا به السفهاء وكان يوصي الناس اجلسوا مجالس العلماء، إما أن تنتفعوا منهم علمًا أو تنزل عليكم الرحمة ولا يشقى بهم الجليس، أو كما قال: أن كلامه قليل لكنه كان عظيمًا.

مواعظ لقمان الحكيم لابنه:

في يوم من الأيام كان لقمان يَعض ابنه ويرشده وينصحه ويهديه إلى الطريق المستقيم، فقد كان يحرص على أن يربي ابنه تربية سليمه، فقال تعالى: “وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” لقمان:13. ويقول تعالى أيضًا: “إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ” المائدة:72. إن أول أمر إذا أردت ان تنجوا به من عذاب الله فعليك ان تكون موحدًا؛ لأن عواقب الشرك وخيمة وعظيمة. فالله لا يغفر ان يشرك به ويُحرم عليه دخول الجنة.

ثم بعد ذلك استرسله بالنصيحة شيئًا فشيئًا، فقال تعالى: “يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ” لقمان:17. فعليك يا بني أن تواظب على صلاتك وأن تحافظ عليها وأن لا تتركها أبدًا، فهي عامود الدين فمن أقامها وأتقنها كان دينه صحيح وعليك يا بني أن تصبر في حياتك على جميع الأمور الصعبة مهما كانت عظيمة ومهما بلغ شدتها.

وفي يوم من الأيام جاء ابن لقمان الحكيم إلى أبيه وسأله سؤال وقد كانا في سفينة بالبحر، وكان في سؤاله نوع من الضعف، فقال له يا أبي؟ لو أنني رميت هذه الصخرة في البحر الآن وهذه الأمواج المتلاطمة أيعلم عنها الله تعالى، فقال لقمان لابنه: يا بني إن الله تعالى يعلم كل شيء حتى وإن كانت حبة خردل موجودة في داخل جوف الصخرة وهو قادر على أن يحدد حجمها أيضًا فإنه يعلمها، وإنه سيأتي بها يوم القيامة.

ويقول لقمان لابنه: عليك أن تستشعر مراقبة الله عز وجل، فلو كنت أينما كنت فإنه يعلم أفعالك صغيرها وكبيرها سرّها وعلانيتها، فقال تعالى: “يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ” لقمان:16.

وقال لقمان أيضًا لابنه: يجب أن تكون أخلاقك مع الناس حسنة ولطيفة وجميلة، وأن تتواضع معهم وأن لا تتكبر عليهم؛ لأن الله لا يحب أي شخص يرى نفسه على الناس ومتعالٍ عليهم، واعتدل دائمًا في مشيتك وأن لا ترفع صوتك معهم وكن لطيفًا في كلامك مع غيرك، فقال تعالى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ – وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ” لقمان:18-19.


شارك المقالة: