قصة نبي الله العزير عليه السلام:
قال الله تعالى: “أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” البقرة:259.
عند تأملنا في تلك الآية الكريمة نجدُ بأنها تبدأ “أو” وما بعد أو لا يكون معطوفاً على ما قبلها، فكأن الله تعالى يُريد أن يقول لا: ألم ترَ إلى مثلِ الذي مرّ على قريةٍ، ونحنُ أيضاً حينما نسمع كلمة “قريةٍ” فإنها تُفيدُ مجمع جماعةٍ من الناس، ونفهمُ بأن الذي مرّ على القريةِ ليسَ من سكانها، إنما هو قد مرّ عليها سياحةً في رحلةٍ، ونلحظُ أنّ الحق لم يشأ أن يأتي لنا باسم القرية، أو باسم الذي مر عليها. فقال البعضُ إنهُ أرميا، وقال بعضٌ آخر: إنه الخِضرُ، وقال بعضٌ ثالثٌ: إنهُ عُزيرٌ، ونحنُ نقول: إنّ التشخيص لا يعنينا؛ لأن الحق حين يُبهم التشخيص فيكون ذلك لأمرٍ يريده الله تعالى، والآيةُ هنا هي في مجال عرض قدرة الخالق.
نلاحظ أنّ الحق قد وصف القرية بأنها: “خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا” والقريةُ الخاوية على عروشها، الخاليةُ من السكان، وقد تكون أبنيتها موجودةً ومهدمةً، أي إنها أبنيةً بلا عروش والعروش تعني السقوف أي أنها أبنيةٌ خربة، والعرش حين يكون على البيت، فإن المقصود به هو الفُسطاط المصنوع مما تصنع منه السقوف، فكأن العرش قد سقط أولاً على الأرض وتراكمت الجدران مهدمة من فوقه، ويقول الذي مرّ على هذه القرية: “أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا“.
والذي مرّ على القرية عندما يتكلم عن إحياء القرية بعد الموت، فكأنه يسأل عن حياة الناس الذين هم على القرية. فالقرية لا حياة لها بدون أهلٍ، إنّ القرية تكون خربةً بدون أناسٌ يسكنونها، فالقرآن الكريم حين يذكر القرية الخاوية على عروشها هو سؤال أهلها عن أنها قرية خربةً، ومن هذا المنطلق نفهم أن عمارة المكان من لوازم الكائن الحي وهو الإنسان، والقرية الخاوية على عروشها هي: قريةً بلا سكان.
وحينما يقول مرّ على هذه القرية: “أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا“. أي كيف يُحيي الله هذه القريةَ بعد أن كانت ميتةً، فإحياء القرية يتطلبُ وجود بشرٌ من أجل إقامةِ الجدران والعروش؛ وكل ذلك حتى يتحقق العمران، إنّ الإنسان لازمُ الملزوم هو العمران، وهو دليلُ الحياة، عندما يسألُ واحد مثل هذا السؤال: كيف لهذه القرية أن تحيا بعد أن كانت ميتة؟ فالتساؤل لا يدلُ على أنهُ مؤمنٌ ويشكُ في أن قضية الحياة أو الموت من عند الله، إنما هو يُريد أن يتعرف الكيفية التي يتمُ بها الإحياء.
متى جاء عهد عزير عليه السلام؟
لقد جاء عُزَيّر بعد سيدنا سليمان بمائتي عامٍ، فقد كانَ منحنياً سليمان وقد علا كثيراً ووصلَ إلى منتهى القوة، وهي القوة العسكرية والعلميةُ والمعمارية الكبيرة، وقد كانت الرياحُ تخدمه، ووصل إلى مستوى تقنيٍ كبيرٍ بَهر ملكة سبأ بلقيس حينما رأت الصرح الممرد، والتقدم المعماري غير العادي بسبب الجن المُسخر له، وفي النهاية فقد ماتَ سليمان عليه السلام، وبعد ذلك بقليل قُسِّمت مَملكته إلى قسمين وكانت هذه الأولى.
– ثم جاءت المرحلة الثانية وهي التي قُسَّم الناس بها إلى طوائف متعددةٍ كما يحدث الآن تماماً؛ مثل سنيّ وشيعي، إفريقي زنجي وعربي، درزي ودمَروني وغير ذلك.
– ومن بعد ذلك تأتي المرحلة الثالثة ألّا وهي الطرف الشريك فما قام به سليمان عليه السلام من إمكانيات عالية أدت إلى حضارةٍ وإصلاحٍ، فقد استغل الناس هذه الحضارة من أجل الشعور بالراحةِ والرفاهيةِ.
– أمّا المرحلةُ الرابعة: وهي الغزو الخارجي على يد “بُختُنصر” الحاقدُ على مملكةِ سليمان عليه السلام، فقد أراد أن يجعلُ مملكتهُ التي بالعراق أقوى من مملكةِ سُليمان عليه السلام، فهدمَ القدس وحرق كل ما بناه النبي سُليمان عليه السلام وأزاله، كان ذلك بعد مائتي عامٍ، استمرت فيها مُملكة سُليمان عليه السلام صامدة قبل أن تقع، فهل هناك أمل للمنحنى أن يعلو من جديد؟ نعم، فطالما تشرق الشمس هناك أمل، ومادام النهار يلحق الليل فهناك أمل، احفظوا هذا الكلام وعلموه لأولادكم، فهل يا ترى ستنهض بلادنا وتحيا من جديد؟ طبعاً.
لقد دخلَ بُختُنصر إلى القدسِ، وقام بقتلِ الرجالِ والنساءِ والأطفال فيها، وهدم جميع البيوت، ودمَر ما فعلهُ سليمان عليه السلام، ليس ذلك فقط بل إنهُ ساقَ”50″ ألفاً من أهلِ القدسِ كعبيدٍ إلى العراق، وتركَ القدس بلا بشرِ؛ فمنهمٌ قتلى والجزء الآخر منهُ عبيد، وقبل أن يعودُ إلى مملكتهِ أحرق القدس، فأصبحت بغير نباتٍ أو حيوانٍ أو بيوتٍ، ومن إعجاز القرآن أيضاً وصف الآية الكريمة ذلك “أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا”البقرة:259. فالعُروش هنا هي الأسطح، أي أنها أصبحت مساويةً للأرض فقد دَكها دكاً، فلم يعد هناك بيوت أو بشر أو نبات أو ما يؤكل بها، أو حيوان فقد ماتت الحيوانات وهربت خوفاً من الحَريق، وفي هذا الوقت ظهر عُزَيِّر عليه السلام.