كفارة الفطر بالجماع:
لما كان الفطر المتعمد قد يكونُ بالجِماع وقد يكون بغيره من المفطرات، مثل الأكل والشرب وغير ذلك، لذلك سنتحدث عن كفارة الفطر بالجماع، ورأي المالكية في هذا الأمر.
لقد أجمع الفقهاء على أن من جامع امرأته في نهار رمضان عامداً من غير عذر، فيكون عاصياً وبطلَ صومه ولزمه إمساك بقية يومه وعليه في ذلك كفارة. وبالرغم من هذا الإجماع على وجوب الكفارة بسبب الجماع في نهار رمضان، إلا إنَّ لكل فقيه مذهباً من المذاهب ضابطاً للجماعِ الموجب للكفارة ربما اختلف عن غيره، ولذلك سنذكر بعض الضوابط في هذه المسألة، لأن ذكر هذه الضوابط يوضح معنى الجِماع الذي تترتب على حدوثه الكفارة.
ما ذكره المالكية القائلين بأن الضابط الموجب لكفارة الصيام هو انتهاك حرمة رمضان بجماعٍ وإخراج منه وإنَّ كان باستدامة فكرٍ أو نظر.وتفصيل هذا الضابط هو كما يلي:
معنى انتهاك الحرمة: أيّ أنه لا يُبالي بحرمة الصيام بأن يتعمد الوطء، وهذا اختيار بلا تأويلٍ قريب وهذا التعمد يكون خلال أيام رمضان التي لا يمكن التأويل فيها. والعَمدية هي أمرٌ لا بدّ منه في إيجاب الكفارة، لإخراج ما عداها فإنَّ كان الفطر بالوقاع ناسياً أنه صام أو كان جاهلاً لرمضان بأن ظن أنه شعبان أو ظن أنه شعبان أو ظن أن هذا اليوم من شعبان كيومِ الشك أو كان جاهلاً لحرمة فطر رمضان بأن كان حديث عهد بالإسلام فلا كفارة في هذه الصور لانتفاء معنى العمدية ولعدمِ انتهاك حرمة الصوم بسبب أقسام العمدية.
وقولهم إنَّ انتهاك حرمة الصوم خاص برمضان، لإخراج انتهاك صوم غير رمضان بأن يكون صومه قضاءَ ما عليه من رمضان أو يصوم نذراً ألزم به نفسه، فلا كفارة عليه؛ لأن صيامها لا يطلق عليه صيام رمضان، فالمقصود انتهاك حرمة شهرٍ معين وهو رمضان.
وقولهم بجماع والمقصود به هنا: إدخال الحشفة في فرجٍ مطيق، ولو كانت بهيمة، أنزل أم لا، فكان مغيب الحشفة هو الأمر المعول عليه في إيجاب الكفارة أنزل أو لم ينزل، وليس المقصود هنا الإدخال في فرجِ الآدمية فقط بل إنَّ الأمر أعم فيشمل فرج البهيمة، ويشمل اللواطه، إذ المقصود هو مجرد مغيب الحشفة فيرتبط به الحكم وهو إيجاب الكفارة.
وقولهم”وأخرج مني”وهذا القيد وإنَّ خرج عن معنى الجماع، إلا إنَّه لدقة الأمر وهو المحافظة على حرمة الشهر، وعِظمِ الخطر الذي يترتب على الانتهاك جعل المالكية نزول المني وإنَّ كان بغير جِماع موجباً للكفارة، لكن لا بدّ أن يكون نزول المني ناشئاً عن طول نظر أو تفكير حتى وإنَّ كانت عادته الإنزال من استدامة النظر وطول التفكير؛ لأن الإنزالِ وإنَّ كان عادته من الاستدامة في الفكر وطول النظر لا يخرجه عن إيجاب الكفارة، فإنَّ خالف عادته بأن انتهت مدة النظر والفكر ولم ينزل عقبها مباشرة لكنه أنزل بعد ذلك وكان السبب فيه النظر والفكر السابقين، فهل تجب فيه الكفارة. خلاف بين المالكية في هذا، فعند ابن عبد السلام على ما اختاره لا تجب الكفارة، ولعل العلة في مخالفته عادته وهو الإنزال عقب النظر والفكر، وعلى الرأي الآخر، عليه الكفارة مُطلقاً، ولو خالف ما اعتاده؛ لأن العبرة بنزول المني عقب الاستدامة مباشرة أو بعدها مطلقاً مادام المسبب مرتبط بالسبب وهذا الكلام المتقدم لم يقتصر على الجماع فحسب بل تطوقُ لمقدماتهِ فسوى بين الجماع ومقدماتهِ وهذا رأي مالك في المدونة، فإنَّه يوجب القضاء والكفارة وإنَّ كان الأشهب رأي في مقدمات الجِماع مؤداهُ أنه يوجب القضاء فقط إلا أن يُتابع نظره وفكره فعندئذٍ تجب الكفارة.
ما هي شروط كفارة الفطر بالجِماع أو نزول المني:
ويتلخص مما تقدم من ذكر ضابط المالكية خمسة شروط لا بدّ من توافرها حتى تجب الكفارة بالوقاع أو نزول المني وهي:
1. العمد: فلا كفارة على من جامع امرأته ناسياً.
2. الاختيار: فلا كفارة على مكروه على الجماع.
3. الانتهاك لحرمة رمضان: فلا كفارة على متأول تأويلاً تقريباً.
4. العلم بالحرمة: فمن جهل حرمة الصيام بأن كان حديث عهد بالإسلام ظن أن الصوم لا يحرم معه الجماع فلا كفارة عليه.
5. أن يكون الانتهاك من خلال أيام رمضان فقط دون غيره: فإنَّ كان في أيام قضاء أو في صيام كفارة أخرى أو نذرَ فلا كفارة عليه وإنَّ كان هناك رأي آخر عند المالكية يوجب الكفارة إنَّ كان الناذر قد نذر صيام الدهر.