إخراج الكفارة بين الفور والتراخي:
اختلف العلماء في وجوب إخراج الكفارة والقيام بها، هل هو يوم على الفور أم على التراخي؟
- القول الأول: أنها على التراخي، وهو مذهب الأحناف ورواية في مذهب أحمد.
يقول الكاساني: الكفارات كلها واجبة على التراخي هو الصحيح من مذهب أصحابنا في الأمر المطلق عن الوقت حتى لا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الإمكان ويكون مؤدياً لا قاضياً. ومعنى الوجوب على التراخي هو أن يجب في جزء من عمره غير معين، وإنما يتعين بتعيينه فعلاً، أو في آخره إلى وقت يغلب على ظنه أنه لو لم يؤدِ فيه لفات، فإذا أدى فقد أدى الواجب.
وقال صاحب البحر الرائق: وهي واجبةٌ على التراخي على الصحيح. - والقول الثاني: أنها تجب على الفور وهو قول الحنابلة والمالكية: فقال الخرشي المالكي في شرح مختصر خليل: وهل الكفّارة واجبةٌ على الفور أو التّراخي؟ والظاهر: الأول.
وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: نصّ الإمام أحمد رحمه الله على وجوب كفّارة اليمين والنّر على الفور إذا حنث. وهو الصحيح من المذهب. وقيل: لا يجبان على الفور.
وقال ابن تيمية: قضاء النذر، والكفارة عندنا: على الفور، فهو كالمُمتعين صوم القضاء يُشبه الصلاة في أول الوقت.
وقال الشيخ ابن عثيمين: كذلك من حفظ اليمين: إخراج الكفّارة بعد الحنث، والكفارة واجبة فوراً؛ لأن الأصل في الواجبات هو الفورية، وهو قيام بما تقتضيه اليمين. - الرأي الثالث: لبعض الشافعية، وقول في المذهب الحنبلي: التفريق بين الحنث طاعة، والحنث معصية، فقالوا بالتراخي في الأول، والفور في الثاني. فجاء في تحفة المحتاج: هل يجب إخراج الكفارة على الفور؟ قال في التّتمةِ: إن كان الحنث معصيةً، فنعم وإلا فلا. وقال النووي في المجموع: وأما الكفارة: فإن كانت بغير عدوانٍ، ككفّارة القتل خطأ، وكفّارة اليمين في بعض الصور: فهي على التراخي بلا خلافٍ؛ لأنه معذور. وإن كان متعدياً فهل هي على الفور أم على التراخي؟ ههذا الأمر الأمر فيه وجهان قالهما القفّال والأصحاب، أصحّهما: على الفور.
وقال الزركشي في قواعده:هل تجب الكفارة على الفور، إن لم يتعدّ بسببه. فعلى التراخي وإلا فعلى الفور، وقال المتولي: إذا عصى بالحنثِ لم يُبح له تأخير التفكير، وإن كان الحنث طاعة أو مباحاً فالأولى أن يُبرئ الذمة، فلو أخر فلا حرجَ عليه. وسبب الخلاف هو قاعدة الأمر المطلق هل يُحمل على الفور أم على التراخي، والمسألة طويلة الخلاف والاحتجاجات، والردود فتَراجعٌ في مظانها.
وأهم ما يُقال في هذه المسألة السابقة: إن الأصل أن يُبادر المسلم إلى تنفيذ وامتثال أوامر الله تعالى، والوفاء بما عليه من الالتزامات والتكاليف الشرعية، والديون التي تكون في الذمة، فإن هذا أقرب لتحقيق مقصود الشرع من تحقق المسارعة في الامتثال، ومواساة المحتاجين من الأمة، والتخفيف عنهم، وهو كذلك إبرأً للذمة، وأيسرُ على النفس في القيام بمقتضى الكفارات، فإن الإنسان إذا سوف وأخر الامتثال، فلرُبما تراكمت عليه، وقد ينسى بعضها، وقد يتعسر عليه الوفاء بها. ولو أخرها الإنسان ثم أداها في وقتٍ لاحق، فقد أدى ما عليه، ولا إثم عليه، إلا أنه فعل خلاف الأولى.
ما حكم من أخر الكفارة حتى مات:
إن في حكم من أخر الكفّارة حتى مات يوج فيها حالتان:
الأولى: أن يكون معذوراً، فلم يتمكن من أدائها، فهذا لا شيء عليه؛ لأن الخطاب الشرعي تتحقق المؤاخذة عليه حال التمكن وعدم الامتثال.
الثانية: أن يتمكن ثم ييوّف حتى مات، فهذا اختلف العلماء في إخراج الكفارة عنه.
ويقول الماوردي: إذا وجب عليه صيام أيامٍ من نذر أو كفارة أو قضاء فلم يصمها حتى مات، فله حالتان: الأولى أن يموت بعد إمكانِ القضاء، والثانية: أن يموت قبل إمكان القضاء. فإن مات قبل إمكان القضاء فقد سقط عنه الصوم ولا كفارة في ماله. وإن مات قبل إمكان القضاء، سقط عنه الصوم أيضاً، ووجب في ماله الكفارة عن كل يوم مدّ من طعام، ولا يجوز لوليه أن يصوم عنه بعد موته، وهذا مذهب الشافعي في القديم والجديد، وبه قال مالك وأبو حنيفة وهو إجماع الصحابة.
أدلة من أجازوا الصيام عن الميت هو ما يلي:
– ما رواه عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات وعليه الصّيام صام عنه وليه”. أخرجه البخاري. وقد رواه أيضاً ابن بريدة عن أبيه عن رسول الله عليه الصلاة.
– ولأنها عبادة يُدخلها الجبران بالمال فجاز أن تدخلها النيابة كالحج.
– وروى سعد بن أبي وقاص أن رجلاً أتى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: إن أمي ماتت وعليها صوم فقال: إقضِ عنها”. أخرجه البخاري ومسلم.
أما المانعون، فدليلهُم هو:
– رواية نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: من مات وعليه صوم رمضان فليُطعم عن كل يومٍ مسكيناً” فأسقط القضاء وأمر بالكفارة.
– ولأنها عبادةٌ لا تدخلها النيابة في حال الحياة مع العجز، فوجب أن لا تدخلها النيابة بعد الوفاة، أصلهُ الصلاة، وعكسهُ الحج.
– أنه إجماع الصحابة فقد روي عن ابن عباس وعمر وعائشة رضي الله عنهم أنهم قالوا: من مات وعليه صوم أطعم عنه، ولا يصوم أحدٌ عن أحد، ولا مخالف لهم.