إدريس في السنة الشريفة:
لقد روى عبد الله بن عباس رضي الله عنه وغيره عدداً من الروايات عن إدريس عليه السلام وكان يرجع في رواياته إلى أهل الكتاب الذين أسلموا، فيأخذ عنهم بحكم اتفاق القرآن مع التوراة أو الإنجيل في كثير من المواضع الواردة في القرآن، وفصلت في التوراة والإنجيل، وهذا الموافق للقرآن هو من بقايا الوحي كما سبق وأشرنا.
وقد اتهم المستشرق اليهودي جولد زيهر وتبعه أحمد أمين عبد الله بن عباس وغيره من الصحابة في تساهلهم في الأخذ من كعب الأحبار وعبد الله بن سلام وغيرهما، ولهذا فقد قام عدد من العلماء بالرد على هذا الاتهام الموجه، ومنهم الذهبي في كتابه “الإسرائيليات في التفسير” حيث قال: إنّ هذا الإتهام بعيد كل البعد عن الحق والصواب، فابن عباس وغيره من الصحابة لم يسألوا أهل الكتاب عن شيء يتصل بالعقيدة أو بأصل من أصول الدين، بل كانوا يسألونهم عن تفاصيل لبعض القصص والأخبار الماضية، ولا يقبلون منها إلّا ما اتفق مع الدين والعقل، وما خالف ذلك نبذوه، وتوقفوا فيما سكت عنه القرآن.
ومن الاتهامات التي وجهها جولد زيهر للصحابي الجليل ابن عباس حسب ما أورد الذهبي، أنه كان لا يقتصر في سؤاله لأهلِ الكتاب عن المسائل الإنجيلية أو الإسرائيلية، بل كان يتجاوز ذلك فيسألهم عن التفسير الصحيح لأم القرآن.
وردّاً على ذلك يقول الذهبي: وكيف يعقل أن يكون ابن عباس وهو ترجمان القرآن، ومن دعا له رسول الله عليه الصلاة والسلام بقوله: اللهمفقههُ في الدين وعلمهُ التأويل” أخرجه الإمام أحمد. وابن العباس هو الذي أثنى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله: كأنما ينظرُ إلى الغيب من ستر رقيق. وقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ابن عباس أعلمُ أمة محمد بما نزل على محمد، أن يرجع إلى رجلٍ يهودي دخيل على العرب في لفظ عربي ورد في كتاب الله وفي سنة نبيه، ولو أننا رجعنا إلى الروايات الواردة في ذلك ونقدنَاها على طريقة المحدثين في نقد الحديث لوجدناها معلولة الأسانيد.
وفي البحث في السنة النبوية في الأحاديث التي وردت في حق إدريس عليه السلام، وبعد استقراءٍ طويل لم نجد إلا حديثين وهما:
– حديث الإسراء ومقابلة النبي عليه الصلاة والسلام إدريس عليه السلام في السماء الرابعة.
– وحديث ابن حبان حيث يذكرُ في صحيحه أن أبا ذر سأل النبي عليه الصلاة والسلام كم كتاباً أنزلهُ الله، قال: مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسون صحيفة وأنزل على أخنوخ ثلاثون صحيفة، يا أبا ذر أربعة سريانيون آدم وشيث ونوح وأخنون وهو إدريس عليه السلام وهو أول من خط بالقلم، وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك محمد عليه الصلاة والسلام يا أبا ذر، وكل ما روي سوى ذلك من آثار لا يرقى أحدها إلى درجة الحديثية.