ما هي كيفية تحذير النبي عليه الصلاة والسلام من قرب الفتن؟

اقرأ في هذا المقال


تحذير النبي عليه الصلاة والسلام من قرب الفتن:

أولاً: عن أمّ سلمة رضي عنها قالت:”اسْتَيْقَظَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتَنِ، ومَاذَا فُتِحَ مِنَ الخَزَائِنِ، أيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ في الآخِرَةِ.“صحيح البخاري.

شرح غريب الحديث:

أنزلَ: والمقصود هنا بالإنزال هو إعلام الملائكة للنبي عليه الصلاة والسلام بما قُدر من فتن ستقع فيها الأمة، أو أنّ النبي عليه الصلاة والسلام أوحيَ إليه في نومه ذاك بما سيقع بعده من الفتن فعبر عنه بالإنزال.
الخزائن: أي ما سيفتح على المسلمين من خزائن كسرى وقيصر وما يترتب على ذلك من فتن. وقد يكون المراد بفتح الخزائن هو ما ينزل من الفتن تأكيداً للعبارة السابقة.
صواحبات الحجر: لقد أراد النبي عليه الصلاة والسلام أزواجه، وإنما خصهنّ بالأيقاظِ؛ لأنهنّ حاضرات حينئذ.
شرح الحديث: إن في هذا الحديث إشارة إلى قُرب الفتن ورؤية النبي عليه الصلاة والسلام لها وتعجبه من كثرتها أو عظم خطرها، فبدأ بأقرب الناس إليه وهنّ نسائه لإيقاظهنّ للصلاة في جوف الليل، لتكون صلاتهنّ جنةً لهن من هذه الفتن التي ستُعرض للصحابة، وفي الحديث إشارةً إلى أنّ الصلاة في جوف الليل من العواصم من الفتن.
فيقول ابن حجر: “إن في الحديث استحباب الإسراع إلى الصلاة عند خشية الشر كما قال تعالى:” واستَعينوا بالصبرِ والصلاةِ”. وكان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وأمر من رأى في منامه ما يكره أن يُصلّي. وفيه التسبيح عند رؤية الأشياء المهمولةِ، وفيه تحذير العالم من يأخذ عنه من كل شيء يتوقع حصوله، والإرشاد إلى ما يدفع ذلك المحذور.

ثانياً:
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: أشرفَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام على أُطُمٍ من آطامِ المدينة فقال:” هل ترون ما أرى؟ إني لأرى من مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر” أخرجه البخاري.

شرح الحديث:

يُحذر النبي عليه الصلاة والسلام صحابته الكرام من الفتن القريبة منهم، وبدأ تحذيرهُ بصيغة استفهام، وورود في روايةٍ أن الصحابة قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام: لا؛ أي لا نرى ما تراه، ثم بين لهم النبي عليه الصلاة والسلام ما كشف الله لهخ أو ما أعلمه من فتن مستقبلية ستحل في مدينتهم وتعمها وشبه نزولها بالمطر للدلالة على عموم هذه الفتن وانتشارها، وهذا ما وقع كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام فقد بدأت الفتنة بالمدينة بمقتل عثمان رضي الله عنه ثم عمت البلاد بعدها.
إنّ هذا الحديث يُعتبر من دلائل النبوة، ووجه الإعجاز فيه الإخبار بأنّ الفتن ستتَوالى على الصحابة، فهي مثل المطر، وهي خلال البيوت، أي سيكون لكلِ بيت نصيب منها وإنّ قل، وتخصيص كون بداية الفتن في المدينة، وهذا ما حصل حيث كان مقتل عثمان رضي الله عنه الشرارة الأولى لتلك الفتن، فيقول ابن حجر: “وإنما اختصت المدينة بذلك؛ لأن قتل عثمان رضي الله عنه كان بها، ثم انتشرت الفتن في البلاد بعد ذلك، فالقتال بالجمل وبِصفين كان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين وكلّ قتال وقع في ذلك العصر، إنما تولدّ. ثم أنّ قتل عثمان كان أشدّ أسبابه الطعن على امرأته، ثم إن عليه بتوليتهِ لهم، وأول ما نشأ ذلك من العراق وهي من جهة المشرق فلا منافاة بين حديث الباب وبين الحديث الآتي أن الفتنة من قبل المشرق.
ثالثاً: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، حدثني زيدٌ بن ثابت رضي الله عنه قال: “بيْنَما النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، علَى بَغلَةٍ له وَنحنُ معهُ، إذ حَادَت به فَكَادَت تُلقِيه، وإذَا أَقْبُر سِتَّةٌ، أَو خَمسَة، أَو أَربَعَةٌ، قالَ: كَذَا كانَ يقولُ الجُرَيرِيُّ، فَقال: مَن يَعرِفُ أَصحَابَ هذِه الأقبُرِ؟ فَقالَ رَجلٌ: أَنَا، قال: فَمَتَى مَات هَؤُلَاء؟ قالَ: مَاتُوا في الإشرَاكِ، فَقالَ: إنَّ هذِه الأُمَّةَ تُبْتَلَى في قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَن لا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْت اللَّهَ أَنْ يُسمِعَكُم مِن عَذَابِ القَبرِ الذي أَسمعُ منه ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَينَا بوَجهِهِ، فَقالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَاب النَّارِ قالوا: نَعُوذ باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ، فَقالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبرِ قالوا: نَعوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبرِ، قالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن الفِتنِ، ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ قالوا: نَعُوذ باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ، قالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ”. أخرجه مسلم في الجنة ونعيمها.
شرح الحديث: إنّ في هذا الحديث درس عملي للاستجارة بالله من عظائم الأمور، بدأها النبي عليه الصلاة والسلام بأقرب هذه العظائم وهي عذاب القبر وفتنته، ولعل سياق القصة كان وراء البدء به، ولم يقتصر النبي عليه الصلاة والسلام عليه، بلّ حذرَ الصحابة للاستعاذة بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وفي هذا إشارة إلى أنّ مجموع الفتن لا يكون ظاهراً للجميع بل هناك فتن باطنة قد يقع فيها الإنسان دون إدراك منه أو تمييز لها، وهذا يتفق مع كون الفتنة يلتبس فيها الحق بالباطل والخير بالشر، بل قد تدخل على قلب الإنسان من باب الخير. ثم نبه الصحابة للاستجارة من فتنة الدّجال، وهذا من باب عطف الخاص على العام، وتخصيص هذه الفتنة عن غيرها لعظم خطرها وشموله.


شارك المقالة: