تعريف العدّة:
تُعرف العدّة بأنها تربّصٌ يلزم المرأة، أو الرجل عند وجود سببه. وعرفت العدة في البدائع: بأنها أجل تُضرب لانقضاء ما بقي من آثار النكاح، وعند الشافعي: هي اسمٌ لفعل التربص الذي يُسمّى بالكف، وهو اسمٌ لمدةٍ تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها، أو للتعبّد أو لتفجّعها على زوجها. وعرّف القانون العدّة، بأنها مدّة تربّصٍ تلزم المرأة إثر الفرقة من فسخ أو طلاق أو وفاة أو وطءٍ بشبهة.
تحول العدة أو انتقالها وتغيرها:
قد يطرأ على المعتدّة بالأشهر أو بالأقراء ما يوجب تغيّر نوع العدة، لذلك يوجب عليها الاعتداد بمقتضى الأمر الطارئ، ومن أهم الحالات التي تقتضي تحوّل العدة ما يلي:
- تحول العدّة من الأشهر إلى الأقراء: إذا طُلّقت الصغيرة أو من بلغت مرحلة اليأس، وشرعت في العدة بالشهور، ثم حاضت قبل انتهاء العدة، فيلزمها الانتقال إلى الأقراء، وبطل ما مضى من عدتها، ولا تنتهي عدتها إلا بثلاث حيضات كوامل عند الحنفية والحنابلة، وبثلاثة أطهار عند المالكية والشافعية؛ لأن الشهور بدل عن الأقراء، فلا يجوز الاعتداد بها مع وجود أصلها، كالقدرة على الوضوء في حق المتيمم ونحوها. والآيسة لما رأت الدم تبيّن أنها أخطأت الظن.
- تغيير العدة من الأقراء إلى الأشهر أو وضع الحمل: إذا شرعت المطلّقة في العدة بالأقراء، ثم تبين أنّ بها حمل من الزوج، بناء على رأي المالكية والشافعية بأن الحامل قد ترى الدم، فقد سقط حكم الأقراء، وتعتد بوضع حملها؛ لأن الاقراء هو دليل على براءة الرحم في الظاهر، والحمل دليل على شغل الرحم قطعاً، فيسقط الظاهر بالقطع.
وقال المالكية والحنابلة: تعتدّ المرأة سنة، تسعة أشهر منها من وقت الطلاق تنتظر فيها لكي تعلم براءة رحمها؛ ولأن هذه المدة هي في الغالب مدة الحمل، ثم تعتد بعد ذلك عدة الآيسات: ثلاثة أشهر وهذا هو المعقول، دفعاً للحرج والمشقة. وقال الشافعية في الجديد كالحنفية: تكون في عدة أبداً حتى تحيض أو تبلغ سن اليأس، فتعتد حينئذ بثلاثة أشهرٍ؛ لأن الاعتداد بالأشهر جعل بعد اليأس، فلم يجز قبله، وهذه ليست آيسة، ولأنها ترجو عود الدم، فلم تعتد بالشهور، كما لو تباعد حيضها لعارض ما. - الإنتقال إلى عدّة الوفاة: يعني إذا مات الرجل في أثناء عدّة زوجته التي طلّقها طلاقاً رجعياً، تنتقل بالإجماع من عدتها بالأقراء أو الأشهر إلى عدة وفاة، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء كان الطلاق في حال الصحة أم في حال مرض الموت؛ لأن المطلّقة رجعياً تعدُ زوجةً ما دامت في فترة العدة، وموت الزوج يوجب على زوجته عدّة الوفاة، فتلتغى أحكام الرجعة، وسقطت بقية عدة الطلاق، وتسقط نفقتها، وتثبت أحكام عدة الوفاة من إحداد وغيره.
أمّا إذا مات الرجل أثناء عدة زوجته من طلاقٍ بائنٍ، فلا تنتقل إلى عدة الوفاة، بل تُكمل عدة الطلاق البائن؛ لأنها ليست بزوجة، فتكمل عدة الطلاق، وليس عليها حداد، وتوجب لها النفقةُ إذا كانت حاملاً. - العدّة بأبعد الأجلين، عدة طلاق الفارّ: ففي هذه المسألة كان للفقهاء مذهبان:
الأول: مذهب أبي حنيفة ومحمد وأحمد: إن كان الطلاق فراراً من إرث الزوجة بأن طلّق في مرض الموت بقصد حرمانها من الميراث، ثم مات وهي في العدة، فإنها تنتقل من عدة الطلاق، إلى العدة بأبعد الأجلين من عدة الوفاة وعدة الطلاق احتياطاً، بأن تتربص أربعة أشهر وعشراً من وقت الموت، فإن لم ترَ فيها حيضاً تعتد بعدها بثلاث حيضات في رأي الحنفية والحنابلة.
وإن امتد طهرها تبقى عدتها حتى تبلغ سن اليأس؛ لأن المرأة لما ورثت من زوجها، اعتبر الزواج قائماً حكماً وقت الوفاة، فتجب عليها عدة الوفاة، وبما أنّ الطلاق بائن فلا تُعدّ زوجيتها قائمة، ولا تجب عليها عدة الوفاة، وإنما عدة الطلاق، فمراعاة لهذين الاعتبارين تتداخل العدتان، وتعتد بهما معاً.
الثاني: إنّ مذهب مالك والشافعي وأبي يوسف: قالوا أن زوجة الفارّ لا تعتد بأطول الأجلين من عدة الوفاة أو ثلاثة قروء، وإنما تكمل عدة الطلاق؛ لأن زوجها فارق الحياة ولم تعد زوجتةً له؛ لأنها بائن من النكاح، فلا تكون منكوحة. واعتبار الزواج قائماً وقت الوفاة في رأي مالك إنما هو في حق الإرث فقط، لا في حق العدة؛ لأن ما ثبت على خلاف الأصل لا يتوسّع فيه.
ويبين اعتداد المرأة بأبعد الأجلين لدى الشافعية كما طلق الرجل إحدى امرأتيه طلاقاً بائناً، ومات قبل بيان أو تعيين المطلَّقة، فإن كل واحدة تعتد بالأكثر من عدة وفاة وثلاثة من أقرائها؛ لأن كل واحدة وجب عليها العدة بالطلاق، واشتبهت عليها بعدة أخرى بالوفاة، فوجب أن تأتي بأبعد الأجلين لتخرج من ما عليه بيقين، كمن أشكلت عليه صلاة من صلاتين، يلزمه أن يأتي بهما.