ترتيب أشراط الساعة الكبرى:
لم يكن هناك أي نصذاً صريحاً يُبين ترتيب أشراط الساعة الكبرى حسب وقوعها، وإنما جاء ذكرها في الأحاديث مجتمعةً بدون ترتيب، إذ أن ترتيبها كان في الذِكر لا يقتضي في الوقوع، ولكن قد جاء العطف فيها بالواو، وذلك لا يقتضي الترتيب. ومن النصوص هناك ما خالف ترتيبها في ترتيبها بنصٍ آخر. ومن أجل أن يتبين هذا سنذكر هناك بعض الأحاديث التي تعرضت لذكر الأشراط الكبرى جملة أو ذكر بعضها:
- روى الإمام مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه، قال: اطّلع النبي عليه الصلاة والسلام علينا ونحن نتذاكر، فقال:”ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة. قال: إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات، فذكر الدّخان، والدّجال، والدّابة، وطلوعَ الشمس من مغربها، ونزول عيسى عليه السلام ، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوفٍ: خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب وآخر ذلك كله نارٌ تخرج من اليمن تطردُ الناسَ إلى محشرهم”. صحيح مسلم. وهذا حديثٌ واحدٌ عن صحابيّ واحد جاء بلفظين مختلفين في ترتيب هذه الأشراط.
- وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:” بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدّخان، أو الدّجال، أو الدّابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامةّ”. صحيح مسلم.
وروى مسلم هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظٍ آخر:” بادروا بالأعمال ستاً: الدّجال، والدّخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصّةُ أحدكم”. صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة. وهذا أيضاً حديثٌ واحد عن صحابيٌ واحد جاء بلفظين مختلفين في ترتيب بعض الأشراط وفي أداة العطف، حيث جاء مرةً ب”أو” والأخرى بالواو وهما يدّلان على الترتيب.
والذي يمكن معرفته هو ترتيب بعضُ الأشراط من خلالِ حدوث بعضها إثر بعض، كما ورد في بعض الروايات، مثل ما جاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، فقد ذكر فيه بعض الآيات مرتبةً حسب وقوعها، فإنه ذكر أولاً خروج الدّجال على الناس، ثم نزول عيسى عليه السلام لقتله، ثم بعد ذلك خروج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى عليه السلام، وذكر دُعاءه عليهم بالهلاك.
وكذلك جاء في بعض الروايات أن أول الآيات كذا، وفي بعضها آخر الآيات كذا، ومع هذا، فإن هناك اختلافاً في هذه الأوليّة بين العلماء، وهذا الاختلاف موجودٌ في عصر الصحابة رضي الله عنهم، فقد روى الإمام أحمد ومسلم عن أبي زرعة، قال: جلسَ إلى مروان بن الحكم بالمدينة ثلاثة نفرٍ من المسلمين، فسمعوه يحدّث عن الآيات أن أوّلها خروجاً الدّجال، فقال عبد الله بن عمر: لم يقل مروان شيئاً، قد حفظتُ من رسول الله صلّى الله عليه وسلم حديثاً لم أنسه بعدُ، سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: إنّ أول الآياتِ خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدّابة على الناسِ ضحىً، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على إثرها قريباً”. هذا كان لفظ مسلم.
وزاد الإمام أحمد في روايته: قال عبد الله وكان يقرأ الكتب وأظنُّ أولاها خروجاً طلوع الشمس من مغربها.
لقد جمع الحافظ ابن حجر بين أوليّة الدّجال، وأوليّة طلوع الشمس من مغربها، فقال: الذي يترجحُ من مجموع الأخبار أن خروج الدّجّال، أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامّة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى عليه السلام، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغيّر أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج الدّابة يقع في اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب. ثم قال: والحكمة في ذلك أنه عند طلوع الشمس من المغرب يُغلق باب التوبة، فتخرج الدّابة، تُميزُ المؤمن من الكافر، تكميلاً للمقصود من إغلاق باب التوبة، وأول الآيات المؤذتةِ بقيام الساعة النار التي تحشرُ الناس”.
ويرى الحافظ ابن كثير أن خروج الدّابة هو أول الآيات الأرضية التي ليست بمألوفةٍ، فإن الدّابة التي تكلّم الناس وتعيّن المؤمن من الكافر أمرٌ مخالفٌ للعادة المستقرّة. وأما طلوع الشمس من مغربها، فهو أمرٌ باهرٌ جدّاً، وذلك أول الآيات السماوية.
أما ظهور الدّجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء، وخروج يأجوج ومأجوج، فإنهم وإن كان ظهورهم قبل طلوع الشمس من مغربها، وقبل ظهور الدّابة، إلا أنهم بشرٌ، مشاهدتُهم وأمثالهم من الأمور المألوفة، بخلاف ظهور الدّابة وطلوع الشمس من مغربها، فهو ليس من الأمور المألوفة.
والذي يظهر أن المعوّل عليه ما ذهب إليه ابن حجر، فإن خروج الدّجال من حيث كونه بشراً ليس هو الآية، وإنما الآية خروجه في حالته التي هو عليها من حيث كونه بشراً، ومع ذلك يأمر السماء أن تُمطر، فتمطر الأرض أن تُنبت، فتنبت ويكون معه كذا وكذا مما ليس مألوفاً.