تشغيل المحكوم عليه بدلاً من الإكراه البدني:
الإكراه البدني:
الإكراه البدني: لقد عُرف الإكراه البدني بأنه: طريقٌ من طرق التنفيذ التي يلجأ فيها إلى تهديد المحكوم عليه في جسمه، وذلك بتحقيق حبسه إرغاماً له على الوفاء بما هو ملزمٌ به قضاءاً بموجب أمرٍ أو حُكمٍ أو قرار.
جاء في المدونة الكبرى: قال مالك: إن الأمر الذي لا اختلاف فيه، أن الحر إذا أفلس لا يؤاجر، لقول الله تبارك وتعالى: ” وإن كان ذو عُسرة فنظرةٌ إلى ميسرة” البقرة:280. وفي موضع آخر منها قلت: أرأيت الحر هل يؤاجر في الدين، إذا كان مفلساً أو يستعمل أو يشتغل؟ قال: قال مالك: لا يُؤاجر، قال ابن القاسم: ولا يستعمل مثل قول مالك في الدين إذا كان مفلساً.
وجاء بكتاب التاج والإكليل لمختصر خليل: ومن لم يكن له مال يؤدى منه فهو في نظرة الله لا يؤاجر ولا يُستعمل؛ لأن الدين إنما تُعلق بذمته. وعند الشافعية: أنه لا يجب على المفلس أن يؤجر نفسه لبقية الدين، لقوله تعالى: “وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ” البقرة:280.
وجاء في كتب كل من المغني وشرحِ الكبير: أنه إذا فرق مال للفاس وبقيت عليه بقية، وله صنعة، فإن هناك روايتين في جبره على إيجاز نفسه لقضاء دينه.
الأولى: إن كان الحاكم لا يُجبره على ذلك، وهو قول مالك والشافعي استناداً على آية: “وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ” البقرة:280. وعلى ما رواه أبو سعيد: أن رجلاً أصيب في ثمار ابتاعها، وكَثر دينه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام “تصدقوا عليه” فتصدقوا عليه، فلم يبلغ وفاء دينه. فقال النبي عليه الصلاة والسلام “خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك” وعلى أن هذا تكسبٌ للمال فلا يُجبر عليه كقبولِ الهبة والصدقة.
الثانية: أنه يُجبر على الكسب. وهو قول عمر بن عبد العزيز وسِوار والعنبري وإسحاق؛ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام باعَ سُرقاً في دينه، وكان سرق رجلاً دخل المدينة وادعى أن له مالاً، فَدَيَنهُ الناس، وركبتهُ الديون، ولم يكن عنده مالٌ فسماه الناس سرقاً، وباعه بخمسة أبعرة، والحر لا يُباع، فثبت أنه باع منافعه، ولأن المنافع تأخذ حكم الأعيان في صحة العقد عليها، وتحريم أخذ الزكاة، وثبوت الغنى بها، فكذلك في وفاء الدين منها. ولأن الإجارة عقد معاوضة، فجاز إجبار المدين عليها في وفاء دينه. ولأنه قادر على وفاء دينه فلزمه، كمالك ما يقدر من الوفاء منه.
وأضاف أصحاب هذا الرأي: أنه إن قيل إن حديث سرق منسوخ بدليل أن الحر لا يُباعُ والبيع وقعَ على رقبته، وذلك لما في الحديث أن الغرماء قالوا لمشتريهِ: ما تصنعُ به؟ قال: أعتقهُ، قالوا: لسنا بأزهدَ مِنك في إعتاقهِ، فأعتقوهُ، فقال في ذلك: إنه إثبات النسخ بالاحتمال، وهو ليس بجائز، ولم يُثبت أن بيع الحرّ كان جائزاً في الشريعة الإسلامية، فضلاً على أن حمل لفظ بيعه على بيع منافعه أسهل من حمله على بيع رقبته المحرم.