حياة إبراهيم عليه السلام

اقرأ في هذا المقال


حياة إبراهيم عليه السلام:

وتشتمل حياة إبراهيم عليه السلام على ولادته ومراحل حياته ودعوته وسنتحدث عن كل واحدةٍ منهما في ما يلي:

مولد إبراهيم عليه السلام:

لم يذكر القرآن مكان ولادة إبراهيم عليه السلام، وإنما ذكر مكان إقامته عليه السلام وإقامة لوط في الأرض المباركة، بعد أن دعا قومه فلم يستجيبوا له؛ فهاجر إليها، وذلك واضح من قول الله تعالى: “وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ” الأنبياء:71. واختلف المؤرخون في مكان ولادة إبراهيم عليه السلام، وصحح ابن عساكر في تاريخه أن مولده ببابل.
كان ميلاد إبراهيم عليه السلام في زمن النمرود، قال الطبري: والذي عليه عامة السلف أن مولدة زمن نمرود بن كنعان بن سنجاريب بن كوش بن سام بن نوح. وإن صحّ نسبه فإن الملاحظ قلة الفارق الزمني بين نوح وإبراهيم عليهما السلام، من سلالة المؤمنين الذين نجوا من الطوفان الذي أهلك الله به قوم نوح الكافرين، ومن ذلك قول الله: “وجعلنا ذُريتهُ هم الباقين” الصافات:77.

مراحل حياة إبراهيم عليه السلام:

لقد نشأ إبراهيم عليه السلام في كنف أبيه، المشهور بصناعة الأصنام لقومهِ، ولكن الله من على إبراهيم عليه السلام بالخير والرشد في صغره، وابتعثهُ رسولاً، ثم اتخذه الله خليلاً، قال تعالى: “ولقد آتَينا إبراهيم رُشدُهُ من قبل وكنّا به عالمين” الأنبياء:51. فلم توجد تفصيلات في القرآن والسنة عن حياة إبراهيم عليه السلام قبل النبوة، لذا اقتصر الحديث عن حياته بعد النبوة، لوروده في القرآن والسنة.
دعوته في بلده:
لقد بدأ إبراهيم عليه السلام دعوته بأبيه آزر، فدعاه إلى نبذ عبادة الأصنام وعبادة الله وحده، وكان أسلوبه يتسم بالرقة والإقناع، لكن أباه أصرّ على الكفر، ولم يكتفِ بذلك، بل هدده بالرجم، فلم يكن من إبراهيم عليه السلام إلا أن يُقابله بالسلام والاستغفار، كما في قوله تعالى: “إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًايَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّايَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّاقَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّاقَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا” مريم:42-47.
والمتتبع لحياة إبراهيم عليه السلام في الدعوة فإنه يدرك أن دعوته عليه السلام لم تقف عند أبيه، بل تعدته إلى قومه وكانوا على قسمين: عبدة الأصنام، وعبدة الكواكب، وأول ما بدأ بدعوته لقومه الذين عبدوا الأصنام فقال لهم: “إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ” الأنبياء:52. فقجد دعاهم إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام؛ لأنها لا تنفع ولا تضر من دون الله، ولا تنفع نفساً فضلاً عن أن تنفعهم، واستخدم المنطق والحجة القوية معهم ليُبين لهم سخافة أتباعهم لآبائهم دون تفكير، كما في قول الله تعالى: “قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْأُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ” الأنبياء:66-67.
وأما دعوتهُ لعبدة الكواكب منهم فقد دعاهم للبعد عن عبادة الكواكب، واللجوء لعبادة الواحد الأحد، وبين لهم أقوال هذه الكواكب، وأنه لا يمكن لإله أن يغيب بين الفينة والأخرى ليخرج آخر، وكان عليه السلام بمثابة المناظر لهم، فقويت حجته أمام قومه، كما ورد في قوله تعالى: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ – وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ – فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِين – فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ – فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ – إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” الأنعام:74-83.
وقد دعا نمرود بابل إبراهيم عليه السلام حين سمع به فحصلت مناظرة بين النمرود وإبراهيم عليه السلام، وهي المذكورة في قوله تعالى: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” البقرة:285. فقد قام إبراهيم عليه السلام بدحض مقولة النمرود والرد عليه بما ألحمَ لسانه، وبما أفحم عقله، فسقط النمرود في يده بهت لقوةٍ الحجة والبرهان.


شارك المقالة: