كيفية دعوة إبراهيم عليه السلام لقومه من عبدة الكواكب

اقرأ في هذا المقال


دعوة إبراهيم عليه السلام لقومه من عبدة الكواكب بدلائل الكون:

قال الله تعالى: “وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَفَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَفَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَإِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” الأنعام:75-79.
لقد سلك إبراهيم عليه السلام في دعوته لعبدة الكواكب مسلكاً غير مسلكهِ في دعوته لأبيه وعبدة الأصنام، فهو مع أبيه يتبع أسلوب الرفق واللين والهدوء في الحوار، وهو مع عبدة الأصنام يتبع طريقه تغير المنكر باليد، ولكنه مع عبدة الكواكب يتبع طريقه أخرى، وهي الموافقة في العبارة من أجل إلزام الخصمِ وإفحامه.
ولقد أرى الله إبراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والأرض ليكون ممن يقرُ بوحدانية الله ويُبصره الله بحقيقة ما هداه الله له، وبيان ما عليه قومه من الضلال لعبادتهم الأصنام واتخاذها من دون الله أرباباً. يقول الطبري في معنى ذلك: وكذلك نُري إبراهيم ملكوتَ السموات والأرض، أي أنه أراه ملك السموات والأرض، وذلك ما خلق فيهما من الشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب، وغير ذلك من عظيم سلطانه منها، وجلّى له بواطن الأمور وظواهرها، فبيّن الله له وجه الدلالة وذلك بدعوته للنظر في خلق السماوات والأرض ليصل إلى يقين وحدانية الخالق في ملكه وخلقه وأنه لا إله غيره ولا ربّ سواه.
وقد ذهب بعض المفسرين مثل الطبري من القدماء وسيد قطب من المحدثين؛ إلى أن هذه الآيات كانت قبل نبوة إبراهيم عليه السلام، وأنه قال: “هذا ربي” تدرجاً منه في طلب الحقيقة الإلهية، وأنه بدأ التأمل في الكون ليعرف سرّ الوجود من الوجود، وذهب كثيرٌ منهم إلى قوله: هذا ربي كان بعد نبوته، وأنه قال ذلك استدراجاً للحجة، ولبيان عيب آلهتهم، فقد كان مع قومه في مقام مناظرٍ لا ناظر، والصحيح أنه قال ذلك بعد نبوته، لدلالة الآيات قبل وبعد دعوته لقومه أنه ما قال ذلك إلا لمتابعتهم على نفس طريقتهم ومن ثم إلزامهم بما هو أمامهم فدليل لقومه أنه ما قال ذلك إلّا لمتابعتهم على نفس طريقتهم ومن ثم إلزامهم بما هو أمامهم فدليل ما قبل دعوته لهم قول الله على لسانه عليهم السلام، فقال تعالى: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ” الأنعام:74.
إنّ هذا يعني أنه ما قال إلّا وهو موقن أنه على حق، وأراد استدراجهم ليقروا بالوحدانية، وأن الله بين في كتابه أنه رزقه الحكمة من قبل دعوته، فقال تعالى: “وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ“الأنبياء:51. وكذلك استحالة الكفر على الأنبياء قبل وبعد النبوة. وأكد على ذلك ابن العربي بقوله: والذي أوتيه إبراهيم عليه السلام من العلم بالحجة، وهي التي تذكر للخصم على طريق المقابلة كان فيها الدنيا بظهور دلالة التوحيد وبيان عصمة إبراهيم عن الجهل بالله تعالى، والشك فيه، والإخبار أن ما جرى بينه وبين قومه إنما كان احتجاجاً ولم يكن اعتقاداً.

الهدف من دعوة إبراهيم عليه السلام لعبدة الكواكب:

كان يهدف إبراهيم عليه السلام من دعوته إلى استدراج عبدة الكواكب من قومه إلى توحيد الله تعالى، وإثبات أنه وحده هو المعبود بحق. وإن المتفقهُ في دعوة إبراهيم عليه السلام، فإنه يرى أن قصد إبراهيم عليه السلام إبطال ما ذهب إليه عبدة الكواكب، وبيان فساد عبادتها وعدم صلاحيتها؛ لأن تكون أرباباً من دون الله، فساق الإلزام على أصحاب الهياكل مساق الموافقة في المبدأ والمخالفة في النهاية؛ ليكون الإلزام أبلغ والإفحام أقوى، وإن إبراهيم عليه السلام أراد أن يُلفت انتباههم إلى ما هم فيه من خطأ في عبادتهم ودينهم، فأرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال، ومن خلال إرشاده لهم بالنظر الصحيح أوصلهم إلى أنّ هذه الكواكب لا يصح منهم أن تكون مقام الإله، وذلك لقيام دليل الحدوث فيها، وهذا يؤكد أن من ورائها محدثاُ أحدثها وصنعها ودبر طلوعها وأقوالها وسائر ما عليه.
ومنهج إبراهيم عليه السلام في دعوةٌ للمؤمنين، وهي أن ينتهجوا نهجه عليه السلام، كون أمه يُقتفى به في طريق الاعتبار والتأمل في عظمة هذا الكون ليصلوا إلى عقيدة راسخة تُنبئهم أن لهذا الكون خالقاً متفرداً بالخلقِ والإبداع، وأن ما في الكون هو له مسخر وله طائع، ومن ثم فإن ها يؤكد وحدانيتهُ في العبادة، وأن اتخاد أو اعتقاد أي رب هو آخر يأتي من قبيل الشرك الذي يذم صاحبه عليه، وهو باب تعطيل العقل والحواس عن التأمل والتمعن في ملكوت هذا الكون والوصول إلى الحقيقة المُطلقة.


شارك المقالة: