صلاة الليل والوتر:
صلاة الليل: وتعتبر صلاة الليل من العبادات المستحبة، ومن النوافل التي كان يحرص عليها النبي عليه الصلاةُ والسلام، وكان يحثُ أهل بيتهُ عليهم السلام على أدائها؛ وذلك لما فيها من فضلٍ كبير وآثارها العظيمة في الدنيا والآخره. وصلاة الليل بالنسبة لكلّ من يبدأ بأدائها أول مرة تكون نوعاً ما ثقيلة ويستصعبها الكثير من الناس، ولكن مع مرور الوقت سيعتادُ عليها ويجدها سهلة، ولا يستطيع أن يتركها وجاءت كثير من الروايات عن الأئمة الأطهار في صلاة الليل يحثُون على أدائها ويُبينون ثوابها العظيم، وآثارها على المؤمن في الدنيا والآخرة. وتتضمن صلاة الليل والوتر حكمها وفضلها.
أولاً: فضلها:
ورد من فضل صلاة الليل والوتر عدةُ أحاديث ومن أهمها هي ما يلي:
– عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:“أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل”. أخرجه مسلم.
– عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “عليكم بقيام الليل، فإنه دأبُ الصالحين قبلكم، وهو قربةً لكم إلى ربكم، ومكفرةً للسيئات ومنهاةً عن الإثم”. رواه الترمذي والحاكم.
– عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنالله زادكم صلاة ؛ فحافظا عليها، وهي الوتر”. أخرجه أحمد وابن أبي شيبة. قلت: فجميع الأحاديث السابقة تدلُ على فضيلة صلاة الليل واستحباب المحافظة على صلاة الوتر.
ثانياً: حكم صلاة الليل والوتر:
إنّ صلاة الليل سنةٌ مستحبة، والوتر في آخرها سنةٌ مؤكدة، وهذا ما دلت عليه النصوص الشرعية؛ فمن تلك الأحاديث ما يلي:
– عن عبد الله بن عمر رضي الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً” متفق عليه.
– عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “الوتر حق” أخرجه أحمد و أبو داود.
– عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الوترُ حق على كل مسلم، فمن أحب أن يُوتر بخمسٍ فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاثٍ فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة، فليفعل”.
وفي روايةٍ أخرى أن الوتر حقٌ، فمن شاء أوتر بسبعٍ ومن شاء أوتر بخمس ومن شاء أوتر بثلاث ومن شاء أوتر بواحدةٍ ومن شاء أومأ إيماء”.
وقلنا أنّ هذه الأحاديث تدلُ على تأكيد استحباب صلاة الليل والوتر، بل فيها ما قد يشعر بوجوب الوتر: إما مطلقاً وإما في حق من يتهجد بالليل. لكن ورد ما يدل على أن صلاة الليل والوتر ليستا بحتم، من ذلك عن علي رضي الله عنه، قال: “الوتر ليس بحتمٍ كهيئة المكتوبة، ولكنهُ سنة سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم “. أخرجه النسائي.
وقيل أيضاً إنّ هذا صريحٌ في عدم وجوب الوتر، ولا نعلمُ له مخالفاً من الصحابة، فقوله هذا له حكمُ الإجماع السكوتي. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا عبد الله ! لا تكن مثل فلان، كان يقوم من الليل، فترك قيام الليل”. أخرجه البخاري ومسلم.
ففي هذا الحديث دليلٌ على أن قيام الليل ليس بواجب، لأنهُ لو كان واجباً، لم يكتف لتاركه بهذا القدر، بل كان يذمه أبلغ الذمّ.
– وعن علي بن أبي طالب، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلة، فقال: “ألا تصليان؟ فقلت: يا رسول الله ! أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك، ولم يرجع إلي شيئاً، ثم سمعتهُ وهو مول يضربُ فخذه وهو يقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً”. متفق عليه.فقد قال البعض ولو كان قيام الليل واجباً، لما عذره بقوله ذاك.
– عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلةٍ في المسجد، فصلى بصلاتهِ ناس، ثم صلّى من القابلة، فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح، قال: “قد رأيتُ الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم، وذلك في رمضان” متفق عليه.
وفي روايةٍ أخرى ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنهُ سيُكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خيرُ صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة. أخرجها مسلم عن زيد بن ثابت.فقلنا إنّ هذا الحديث فيه دلالة ظاهرة على عدم وجوب صلاة الليل، إذ نص الرسول أنها من صلاة البيوت التي ليست بواجبةٍ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم خشي أن تفرض عليهم صلاة الليل جماعة في المساجد في رمضان، فدل ذلك أنها ليست بواجبة جماعة في المساجد في رمضان وفي غير رمضان كذلك؛ لعدم الفرق، وأفراداً كذلك.
– وعن ابن عمر رضي الله عنه، قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهتُ به يومئ إيماءً صلاة الليل إلا الفرائض، ويُوتر على راحلته”. أخرجه البخاري. وقالوا بأنه ثبت بالاستقراءُ أنه صلى الله عليه وسلم لم يُصل فريضةً على راحلته فدلت صلاتهُ صلاة الليل والوتر على الراحلةِ بأنها من التطوع الذي ليس بحتم كهيئة المكتوبة.
أدلة على عدم وجوب صلاة الليل والوتر:
ومن الأدلة على عدم وجوب صلاة الليل والوتر هو ما سبق القول عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :“أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل”. أخرجه مسلم.
إنّ في تلك الأحاديث دلالةٌ على عدم وجوب صلاةُ الليل، إذ أنه فاضل بين صلاة الليل وسائر الصلوات غير الفريضة، وقرن في التفضيل بين صيام شهر الله المحرم وصلاة الليل، فكما أن صيام شهر الله المحرم ليس بواجب، فكذا يكون مثله صلاة الليل.
ومن المتعارف عليه أن مجموع هذه النصوص يدل على عدم وجوب صلاة الليل والوتر فهي قرينةٌ صارفةٌ لما قد تشعرُ به بعض الأحاديث بوجوب الوتر، صارفةٌ من الوجوب إلى الاستحباب.
وأنّ ما يؤكد على عدم الوجوب هو ما ذكرتهُ السيدة عائشة رضي الله عنها، أن من قيام الليل كان فرضاً في أول الأمر، ثم أنزل الله التخفيف في آخر سورة المزمل، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة.