ما يخرج عن أغراض التَعزير:
لقد حرصت الشريعة الإسلامية على الابتعاد عن كل ما فيه تعذيب الجاني وإهدار آدميته، وعلى نبذ كل ما قد يؤدي من التعزير إلى الإتلاف، حيث لا يكون الإتلاف واجباً، إذ الأصل أن التعزير لا يكون بالإتلاف، كما أنه يجب أن يكون بالقدر المناسب لكل حالة تبعاً للمجرم والجريمة دون زيادةٍ أو نقص.
والتعذيب وإهدار الآدمية والإتلاف في غير موضعه، كل ذلك خارج عن الأغراض التي توخّاها الشارع من فرض عقوبات التعزير. وممّا يفيد هذا المسلك قول الزيلعي في شرحه: إن التعزير للتأديب، ولا يجوز فيه الإتلاف، وإقامته مقيدة بشرط السلامة.
ففي التعزير خرج من أن يكون تعزيراً بالضرب. وعليه فكل ضرب يؤدي إلى الإتلاف ممنوع، سواء أكان احتمال أن يؤدى إلى ذلك ناشئاً من آلة الضرب، أم من حالة الجاني نفسه وصحته، أم من الموضع الذي يكون فيه الضرب، لذلك منع الفقهاء الضرب في المواضع التي قد يُفضي الضرب فيها إلى الإتلاف، فالأرجحُ هنا أن الضرب على الوجه والفرج والبطن والصدر ممنوع.
وقد جاء في البحر الزخار، أنه لا يجوز التعزير يُجدع الأنف أو الأذن والاصطلام أي بمعنى “الإستئصال” الشفة وقطع الأنامل وحلق اللحية، ولا بخراب الدور والبساتين والزرع والشجر، ولا بالطيافة به راكباً مقلوباً محلوق الرأس، إذ لم يعهد شيء من ذلك في الصحابة.
وقد حرم بعض الفقهاء التعزير بالصفع، لأنه يحمل معنى الاستخفاف بالآدمي وتحقيره، وهو ممنوع. ومن هذا القبيل تسويد الوجه في التعزير، فقد قال به البعض في جريمة شهادة الزور، ولكن أغلب الفقهاء يمنعون هذه العقوبة؛ لأنها من قبيل المثلة، والمثلة ممنوعة. والتعزير بالقتل بالقتل يُشترط في آلته أن تكون حادة من شأنها إحداث القتل بسهولة، بحيث لا يتخلف عنها القتل، وألا تكون كآلة، فذلك من المثلة الممنوعة وهي خارجة عن أغراض التعزير.
أغراض أخرى لعقوبة للتعزير:
هناك أغراض أخرى تؤخذ من ثنايا أقوال الفقهاء، ومن روح الشريعة نفسها، وذلك أن الجريمة في ذاتها عمل غير مرغوب فيه، يؤذي الشعور بالعدالة، ويثير سخط المجتمع على الجاني، وعطفه على المجني عليه، وما العقوبة إلا إجراء من الإجراءات التي يقوم بها المجتمع رداً على فعل المجرم، وانتقاماً للمجتمع الذي انتهكت حرماته بالجريمة، وتهدئةٍ وتسكيناً للمجني عليه، ومن أجل روح الحقد والكراهية للجاني. وإن العقوبة تُنزل بالجاني ألماً ليكفر به عن إثمهُ، ويطهر به نفسه، وهي في ذات الوقت تهدئ من شعور السخط الذي تحدثه الجريمة في الجماعة، وبذلك الأمر تتحقق العدالة.