ما هي مؤامرة موسى عليه السلام على فرعون؟

اقرأ في هذا المقال


مؤامرة موسى عليه السلام على فرعون:

لقد جمع فرعون أعوانهُ ووجهاء قومه وقال لهم: “قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ” الشعراء:34-37. أراد فرعون أن يُخرج نفسه من هذه الورطة التي أوقع نفسه فيها، فاتهم موسى بأنه ساحرٌ عليم بفنونِ السحر، خاصةً وأن المصريين كان لهم إلف بفنون السحر، فأراد أن يستعدي القوم عليه فاتهمهُ بأنه يُريد أن يُخرجهم من أرضهم بسحره بعد أن يُصبح له أتباع وأنصار، ويحدث انقلاباً ويخرجهم من أرضهم، فهذا استعداء للناس على موسى عليه السلام، والغريب أنه بعد ذلك يستشيرهم فيما يفعلهُ ضد موسى، وهذه ألوهية كاذبةً انحدرت إلى مرتبة العبيد، لتسألهم عن رأيهم في هذه المسألة، فنزل من الألوهية التي يدعيها إلى حاجته وهي، مشورة الناس الذين يستعبدهم، ولو كان إلهاً كما يزعم لكان عنده الحل، ولكنه يسألهم عما يأمرونه به، فكان كلامهم بالنسبة له أمراً وليس مشورةً، فهل الإله يأمرهُ أحدا؟ ولكن القوم وجدوا الفرصة أن يقولوا رأيهم، مما يدل على أن أكثرهم كانوا يُضيقون بغطرسة فرعون وتسلطهِ، فأشاروا عليه بأنّ يُبقيه وأخوه وأن يجمع لهما أمهر السحرة ويواجههما بهم، ويرى لمن تكون الغلبة؛ وذلك قول الله تعالى: “قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ-يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ” الشعراء:36-37. و“الإرجاء” هو التأخير، قالوا له: ابعث رسلك ليحشروا الساحرين الموجودين في طول البلاد وعرضها ويجمعونها لمقابلة موسى وهارون.
و“المدائنُ” جمعُ مدينةٍ، فهؤلاء الناسِ مهمتهم جمع السحرة من كل مكان، وبعد ذلك تمّ تجميع السحرة في المكان المعلوم، فقال تعالى: “فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَلَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ” الشعراء:38-40. والميقات هو الوقت من اليوم المتفق عليه؛ هناك آيات أخرى حددت اليوم بأنه يوم الزينة، وهو اليوم الذي يتزين فيه الناس بملابسهم الجديدة، وتتزين فيه الفتيات أبهى زينةٍ؛ لأن عروس النيل ستؤخذ منهن وتلقي فيه: “قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى” طه:59. فقد حددت هذه الآية بأنه يوم الزينة والوقت بأنه وقت الضحى، فحدد اليوم وحدد الزمن من اليوم وهو الضحى، ثم تكلم في آيةٍ أخرى عن المكان فقط: فقال: مكاناً سوى” ومعنى سوى إما أنه وصف للمكان الذي ستقامُ فيه المباراة السحرية في مكانٍ مستوٍ من الأرض؛ حتى يتمكن كل واحد من رؤية المنظر فهو مكان مستوٍ ليس فيه علو أو انخفاض أو أنه مكان وسط المدينة وليس بعيداً في أطرافها؛ حتى يسهل على الناس الحضور إليه، وكل هذا حرص على إتمام المعركة من جانب الطرفين؛ لأن كل طرف يريد أن يتغلب على الآخر.
وبعد ذلك بدأت الدعايةُ بين الناس؛ حتى يجتمعوا في هذا اليوم لمشاهدة ما سيحدث فقال تعالى: “فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَلَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ” الشعراء:38-40 أي أنهم سيجتمعون وعندهم أملٌ في أن يتغلب السحرة على موسى ويُبطلوا حجتهُ، فقال تعالى: “فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ” فننظر هنا إلى مسيرة هذا الإله المزعوم في رعيته. إنّ الإله الحق يعطي ولا يأخذ، فهو سبحانه: “يُطعِمُ ولا يُطعَمُ” الأنعام:14. و“يُجيرُ ولا يُجارُ عليه” المؤمنون:88.
وهذا القولُ منهم ترديد لما قاله فرعون عن موسى وهارون، وهو دليل على أن دعاية فرعون وكيدةً أثراً في موقف الرعية من قضية موسى وهارون، والطريقة هي المذهب الذي يرتضيهِ الإنسان لنفسه، والمسلكُ الذي يسلكهُ في حياتهِ، إذن الطريقةُ: هي ما ارتضاهُ الإنسان لنفسه؛ لتسير عليه أمور حياته، والطريقةُ المُثلى عندهم هي أنهم جعلوا فرعون إلهاً يأتمرون بأمرهِ، وهو الذي يتصرف في شئونهم ويُدبرُ أمورهم كما يشاء، ومعنى المثلى، أي الفاضلة، ومعناها أمثلُ طريقةٍ.

ماذا قال فرعون عندما تحدث السحرة عن الأجر:

يقول الله تعالى: “قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ” نعم هو هي تفيد حرف جواب يدلُ على تقرير ما بعده، إذا سألك أحدهم: أجاءك زيدٌ؟ تقول: نعم، أي نعم جاءني، فالسحرةُ يقولون: هل لنا أجرُ إنّ كنا نحن الغالبين؟ وقول فرعون: نعم معناه: لكم أجرٌ إن كنتم غالبين، هذا إذا كانت الجملة استفهاميةً، أما إذا كانت خبرية فإنها تحتاج أيضاً إلى جوابٍ، وبذلك يكون الجواب قد شملَ الحالتين، وقوله: نعم معناها لكم أجر؛ لذلك جاء ما بعدها معطوفاً بالواو: “وإنّكُم لَمِنَ المُقربين” دلت على فساد حكم فرعون؛ لأنّ المفروض أنّ يكون كل المحكومين بالنسبة للحاكم سواء، ولكن أن يكون مقرباً وهذا غير مقرب، يكون الناس مصنفين عند الحاكم، وما دام الناس مصنفين وليسوا مُتساوين عند الحاكم يكون فساد الحكم؛ ولذلك كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا جلس أصحابه حوله يستمعون إليه سوّى بين الناس جميعاً في النظر؛ حتى لا يظن إنسانٌ من الصحابة أنه أولى بنظرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يُدني أحداً ويقربهُ من مجلسهِ إلا من شهد له الجميع أنه مقرب. فحينما اطمأن السحرةُ إلى الأجر، وأطمأنوا إلى أنهم سيكونون من المقربين، حينما تيقنوا من هذا كله التفتوا إلى موسى، فقد جاءت لحظة التحدي.


شارك المقالة: