مبطلات الصَّوم، أو مفسدات الصَّوم، والفاسد والباطل يأتي بمعنى واحد، ضدَّ الصحيح، وهو الذي يبطل به الصَّوم
أي بمعنى مايكون به الصَّوم غير صحيح، وإذا بطل الصوم في يوم من صوم شهر رمضان خاصَّةً لمن لا رخصة في الإفطار، لزمه بعد بطلان صومه؛ الإمساك بقيَّة اليوم لحرمة الوقت، والقضاء بعد ذلك،وأمَّا المعذور الذي يباح له الفطر كالمريض؛ فلا يلزمه الإمساك .
ويحرم تعمُّد الاستمرار في الإمساك بنيَّة الصيام على من يحرُم عليه الصيام كما في صوم الحائض .
في الصّيام يوجد شيء اسمه مبطلات وسنتعرَّف في هذا المقال على هذه المبطلات ألا وهي:
الجماع بين الزوجين، والطعام، والشراب، وما يأتي بمعنى الأكل والشرب مثل” المغذِّي”، وإنزال المني بشهوة، والقيء عمداً، وخروج الدّم بالحجامة، وخروج دم الحيض والنِّفاس . وهذه الأمور جميعاً تبطل الصّيام، وسنتعرَّف على كل واحدةٍ منها .
- أمَّا الطعام والشراب والجماع فدليلهما قول الله تعالى:( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) “البقره 187” .
- وأمّا إنزالُ المني بشهوة دليله قوله تعالى في الحديث القدسي عن الصّائم( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، وإنزالُ المني شهوةٌ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:(في بضع أحدكم صدقةً قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكونُ له فيها أجرٌ؟ قال:(أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) .
والذي يوضع إنَّما هو المني الدَّافق، ولهذا كان القول الرَّاجح أنَّ المذي لا يفسد الصَّوم حتى وإن كان بشهوة ومباشرة بغير جماع . - وأيضاً من مبطلات الصَّوم ما يأتي بمعنى الأكل والشرب” ألا وهو المغذِّي” وهو الإبر المغذيه التي يستغني عنها الصّائم عن الطعام والشراب، وإنْ كانت ليست بأكل ولا شرب ولكن تَحلُ محلهما، وما كان بمعنى الشيء فله حكمه، ولذلك يتوقَّف بقاء الجسم على تناول هذه الإبر، بمعنى أنَّ الجسم يبقى متغذياً على هذه الإبر، وإن كان لا يتغذَّى بغيرها،أمَّا الإبر التي لا تغذِّي ولا تقوم مقام الأكل والشرب فهذه لا تفطر، سواء تناولها الإنسان في الوريد، أو في العضلات، أو في أيِّ مكان من بدنه.
- القيء المتعمَّد، أي بمعنى أنْ يتقيأ الصّائم مافي بطنه حتى يخرج من فمه، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال:(من استقاء عمداً فليقض، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه) .
والحكمة في ذلك أنَّه إذا تقيأ فقد فرغ بطنه من الطعام، ويحتاج البدن إلى مايردُّ عليه هذا الفراغ، ولهذا نقول:
إذا كان الصَّوم فرضاً فإنّه لا يجوز للإنسان أنّ يتقيأ؛ لأنَّه إذا تقيأ فقد أفسد صومه الواجب .
- أيضاً من مبطلات الصَّوم، خروج الدّم بالحجامة .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أفطر الحاجم والمحجوم) يعني أنّ الحجامة تفطر، فإذا اضطرَّ صاحبها فعليه أنّ يحتجم بالليل . - أيضاً من مبطلات الصّيام، خروج دمِ الحيض ودم النفاس، وذلك لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلم في المرأة:(أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم)، وقد أجمع أهل العلم على أنّ الصَّوم لا يصحُّ من الحائض، ولا يصحُّ من النفساء أيضاً .
مبطلات صيام التطوع
صوم التطوُّع أوصوم النافلة: وهو ما شُرع فعله من غير إلزام أو ماليس بواجب، ويأتي بمعنى المستحَب سواء كان مقيَّداً أو مطلقاً، ويسمَّى أيضاً صوم النفل، ويشمل عدَّة أنواع: النوع الأول وهو ماكان على سبيل الإلزام مثل: صيام الفريضة وهو شهر رمضان . أمَّا ما كان على غير الإلزام فهو صوم التطوُّع أو النافلة غير المفروضة .
والنفل تطوعاً يسمَّى الطاعة غير المفروضة، وشرعت الطاعة من أجل الزيد من الأجر والثواب ورفعاً للدرجات، وجبراً لما قد يحصل في الفريضة من خلل .
وهذه المفطرات أو مفسدات الصَّوم لا تفسد إلا بشروط ثلاثة، ألا وهي: العلم، والذِّكر، والقصد، أي أنَّ الصائم لا يفسد صومه إلا بشروطٍ ثلاثة: أن يكون عالماً بالحكم الشرعي، وعالماً بالحال أي بالوقت، فإن كان جاهلاً بالحكم الشرعي أو بالوقت فصيامه صحيح، لقول الله تعالـى:(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـٰفِرِينَ)“البقره 286” . فقال الله تعالـى: “قد فعلت” .
ولقوله تعالى:(وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)“الأحزاب5” .
وأمَّا الذِّكر فضده النسيان، فمن أكل شيئاً من المفطرات ناسياً فصيامه صحيحٌ تام، لقول الله تعالى:(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـٰفِرِينَ)”البقرة286″ .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم:(مَن نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتمَّ صومه فإنَّما أطعمه الله وسقاه) لكن متى تذكَّر، أو ذكَّره أحدٌ فيتوجَّب عليه الإمساك.
وأما القصد فهو الاختيار، وضدُّه الإكراه وعدم القصد، فمن أُكره على شيءٍ من المفطرات وفعلهُ فلا إثم عليه، ويكون صيامه صحيح، لقوله تعالى:(وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)”الأحزاب5″ .
ولأنَّ الله رفع حكم الكفر عمَّن أُكره عليه، فما دونه، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(رُفع عن أمَّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وهو”حديث حسن” تشهد له النصوص.
ولقوله صلى الله عليه وسلم:(مَن ذرعه القيء،أي بمعنى غلبه، فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض) “أخرجه الخمسة إلَّا النسائي وصحَّحه الحاكم”.
ومَن حصل له شيءٌ من المفطرات بلا قصد فصومه صحيح ولا إثم عليه، مثل أن يتمضمض فيبلعُ شيئاً من الماء بدون قصد منه .