ما هي مدة بقاء المهدي وطبيعة عهده؟
إن هذا الموضوع فيه بعض الإشكالات من التعارض الظاهري بين بعض النصوص، لذا أقوم بذكر هذه النصوص مع بيان الإشكالات المحتمل تصورها، وأقوم بتوجيه أوجه الجمع بينها.
عمر المهدي عند توليه الأمر:
عن السميط قال: اسمهُ اسمُ نبيّ وهو ابن إحدى أو اثنين وخمسين يقومُ على الناس سبع سنين، وربما قال ثمانِ سنين. ويُقال أن هذا الأثر الوارد عن أحد التابعين هو أصحُ الآثار الدالة على عمر المهدي عند توليه الأمر في مكة، وفيه تصريح بأنّ عمره في ذلك الوقتُ يكون إما واحد وخمسين أو إما اثنين وخمسين، وهناك بعض الروايات تقول؛ بأنه يملك سبعُ أو تسع سنين تكون وفاته قريب من سنّ الستين.
وعلى هذه الرواية يُشبه الحدث المرحلة المدنية من وقعة بدر، في السنة الثانية للهجرة إلى وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، سواء في المدة أو في بعض تفاصيل الأحداث، فقد بدأت نواة لدولةِ الإسلامية الثانية بالمبايعينَ الذين ورد في بعض الآثار أن عدتهم تكون مثل عدة أهل بدر، وقد عاش النبي عليه الصلاة والسلام بعد وقعة بدر بين السبع والثماني سنوات حتى تم التمكين في الأرض الذي أكمله خلفاؤه بعده.
يوجدُ هناكَ بعضُ آثارٍ ضعيفة أخرى تُشير إلى أن عمر المهدي عند توليه الأمر يكون أربعين سنة، وبعضها أشار إلى أنه يُبعث وهو ما بين الثلاثين حتى الأربعين. ولعل أوجه الآراء الأول ويحتمل أن يكون عند توليه الأمر ابن أربعين، فهذا السن هي بداية سن الكُهولة الممزوجة بالحكمة مع بقاء عود الشباب وحيويتهِ وهي زمنُ مبعث جده النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
مدة بقاء المهدي:
أولاً: عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: “إنَّ في أمَّتي المَهديَّ يخرجُ يعيشُ خمسًا أو سبعًا أو تسعًا زيدٌ الشَّاكُّ قالَ قلنا وما ذاكَ قالَ سنينَ قالَ فيجيءُ إليهِ الرجلُ فيقولُ يا مَهديُّ أعطني أعطني قالَ فيحثي لَه في ثوبِه ما استطاعَ أن يحملَه” أخرجه الترمذي.
ثانياً: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: “يكونُ من أُمَّتي المَهديُّ، فإنْ طالَ عُمُرُه أو قَصُرَ عُمُرُه عاش سَبْعَ سِنينَ، أو ثَمانِ سِنينَ، أو تِسعَ سِنينَ، يَملَأُ الأرضَ قِسطًا وعَدلًا، وتُخرِجُ الأرضُ نَباتَها، وتُمطِرُ السَّماءُ قَطْرَها”. أخرجه أحمد.
شرح الأحاديث:
إن هذه الآثار متقاربة المعنى ويُفسر بعضها بعضاً، وفيها إشارةً واضحة إلى أنّ مدّة بقاء المهدي بعد بيعته من سبع إلى تسع سنين، ويتضحُ من الروايات أنها تكون سنين خير وعدلٍ بين الناس. فهناك ثلاثُ إشكالاتٍ تضمنتها الأحاديث السابقةِ ومنها:
الإشكال الأول: أنه يتضح من الآثار السابقة أنّ مدة بقاء أو عيش المهدي من 7-9 سنوات، وقد وردفي بعض الآثار أنّ الذي يؤمُ بعيسى عليه السلام في مرحلة الدّجال هو المهدي، ولو حسبنا السنوات من البيعة في مكة إلى خروج الدّجال لوجدناها تزيد عن العشر سنوات، ففي بداية الأمر تكون البيعة، ثم تكون وقعة كلب، ثم بعد ذلك يتوجه المهدي إلى دمشق لتكون عقر دار المسلمين قبل الملاحم، وتكون الهدنة، والله أعلم مدة الهدنة، ثم المعركة التحالفية المشتركة، ثم غدر الروم، وقدومهم للملحمةِ العظمى، وورد في بعض الآثار أنّ مدة تجييش جيش الملحمة يستغرق تسعة شهور، أيّ قرابة السنة، ثم بين الملحمة وبين فتح القسطنطينيةِ ست سنوات، ثم يخرج الدّجال في السابعة، ففي تلك الأحداث المتلاحقةِ لا يتصور أن تنقضي في أقل من عشر سنوات، إذ فقط منذ استعداد الروم للملحمة إلى خروج الدّجال ثماني سنوات، وهذا وجه الإشكال، لذا كيف يتصور أنّ مدة بقاء المهدي فقط من 7-9 سنوات وأنه هو الذي يؤم بعيسى عليه السلام في آخر مرحلة الدّجال.
الإشكال الثاني: إنّ هذا الإشكال مبنيٌ على الأول، بحيث أنّ القول بأنّ مدة المهدي تكون تتراوحُ من 7- 9 سنوات، وفي هذه الفترةِ يعم الرخاء، لا يتفق مع سياق المرحلة الأولى والتي يتصور منها أنها تمتدُ أكثر من عشر سنوات، وهي كما يتضح كلها فتنٌ وحروب، فأين الرخاء المقصود في الأحاديث.
الإشكال الثالث: يتبينُ من الأحاديث السابقة بأنها تُشير إلى أنّ مدة المهدي هي من 7-9، وهذه عبارة عن فترةً قصير نسبياً، فكيف يستطيع المهدي في هذه المدة القصيرة أن يملأ الأرض عدلاً بعدما مُلئت جوراً، مع العلمِ أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام قد مكث في الأرض ثلاثاً وعشرين سنة، ولم تملأ الأرض في عهده عدلاً، وإنّ مهدت لذلك، وهذا يُشكك من الناحية المنطقية في مصداقية الأحاديث التي ذكرت، بل فيه تقديم لجهد المهدي على جهد سيد المرسلين.