مراحل الدية وأنواعها في العرف القبلي:
مراحل الدية:
لقد انطوت قواعد القانون العرفي في القضاء البدوي على تقرير الدية في تسوية المنازعات والاعتداءات المختلفة وتنبني الكتابات في مجال فلسفة وتاريخ النظم الاجتماعية والقانونية، إن الدية قد مرت بمراحل متتابعة لافتداء الحياة من القصاص. ويمكن التمييز بين ثلاثة أنماط متمايزة من الديات كما يلي:
1. النمط الأول: يتمثل في“الفدية بالنفس” حين يُحاول الشخص الجاني مدفوعاً بشعوره بما اقترفه من اعتداء على شخص آخر، أن يرضي المعتدى عليه وجماعته بأن يضع نفسه كلية تحت تصرف المعتدى عليه والجماعة الثأرية التي ينتمي إليها. ومن المثال على ذلك، أن يأتي الجاني إلى أسرة المجني عليه قائلاً: إذا أردتم قتلي فاقتلونِي وهاكم كفني بين يدي”. فإذا قبلت الجماعة أن تغفر له أصبح عضواً فيها، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات.
2. النمط الثاني: يتمثلُ في“الدية الاختيارية” حيث يلجأ القاتل أو تلجأ الجماعة الثأرية التي ينتمي إليها إلى إرضاء المجني عليهم بتقديم تعويض مادي في صورة عدد من الماشية ليفتدي به نفسه، وهنا يكون لأهل القتيل أو الجماعة الثأرية التي ينتمي إليها حق القبول أو الرفض، فإذا قبلت الدية تضامنت الجماعة التي ينتمي إليها الجاني في جمعها لتقسم بين أهل المجني عليه، وإلا فالحرب هي الوسيلة التي تلجأ إليها جماعة المقتول ثأراً لقَتيلها والدفاع عن هيبتها.
3. النمط الثالث: ويتمثل في”الدية الإجبارية” فرضتها الحاجة إليها لتفادي الحروب القبلية والمحافظة على الثروة التي نمت أساليب تراكمها، ونمت معها حقوق الملكية الفردية وارتَبطت بنشأة الدولة التي حرمت الانتقام الفردي الشخصي ومع الدية الإجبارية لم يعد للمعتدي عليه أو للجماعة الثأرية التي ينتمي إليها حق الخيار بين الرفض والقبول، بل يرغم أهل القتيل على قبولها ويحظر عليهم الأخذ بالثأر. وقد أخذت تشريعات متعددة بنظام الدية الإجباري.
أنواع الدية:
- الدية المَظلولة: وهي الدية التي تدفعها العائلة أو العشيرة إذا وجد رجلٌ مقتول في منطقتها، وهي لا تعرف قتله، أو يحدث شيء بين متنازعين ثم يموت أحدهم بسبب الشجار ولا يعرف له قاتل، يعني أنها تدفع في حالتين:
– الحالة الأولى: في منازعة ثم لا يعرف قاتله.
– الحالة الثانية: وجود قتيل في العرف، ولا قصاص. - الدية المربعة: وهي دفع مقدار من المال ما يُعادل أربع ديات. وتكون في العرف أربع حالات وهي:
– الحالة الأولى: تكون عند إنكار القتل، وهي أن يُتهم شخص ما في القتل، ثم يجلس أطراف الخصومة إلى القضاء ويُنكر المتهم ذلك القتل ويتفق الطرفان أي “طرفا الخصومة” على أنه إن يثبت هذا القتل عن الشخص المُنكر في المستقبل، فإنه يدفع أربع ديات، وإن لم يثبت فلا شيء عليه.
– الحالة الثانية: وهي قتل المرأة في بيتها، من غير أن تقاتل أثناء حدوث الشجار.
– الحالة الثالثة: في قتل الغدر “الدغيلة” فمن قتلَ إنساناً غدراً فهو كمن قتل أربعة رجال، فعليه أن يُطالب بأربع ديات. - الدّية المحمدية: وهو أن يُرضي أولياء المقتول وفق الشريعة الإسلامية، وفي هذه الحالة تُحال القضية إلى مختصين أو محكمين شرعيين لتقدير الدية، وهي تأتي على قسمين:
– الدية المشددة: وهي التي تؤخذ في حالة القتل العمد، وفي جرائم الاعتداء على العرض. وكذلك في شبه العمد، حيثُ يكون المتسبب في الفعل كالقاتلِ الحقيقي، وقدر أصحاب العُرف أن الدية هي مائة ناقة مع التغليظ.
– الدية المخففة: وهي التي تؤخذ في حالة القتل الخطأ. - دية ذي الرحم: وهي دية ابن العم ويتكفل بدفعها القاتل وأسرته، وإن خمسة العاقلة غير ملزمة بمساعدتهم، والدية هي مائة ناقة مع التغليظ، وتُعتبر هذه الدية مغلظة وثقيلة. ومثل هذه الدية المغلظة تبين الأهمية القصوى المعطاة للشخص القريب، مقابل الأهمية الدنيا المعطاة للشخصِ الغريب.
وتُدفع الدية كاملة سواء كان المقتول صغيراً أم كبيراً، حتى لو كان جنيناً، وهذا يختلف مع الشريعة في الجنين غرة، وليس دية كاملة. ومن الجدير ذكره والغريب أمره أنه في حالة الدفاع عن النفس، يدفع القاتل لأهل المقتول ديةً كاملة، بخلاف الشريعة، فالمقتول في هذه الحالة مهدور الدم ولا شيء على القاتل.