مشروعية الأرش:
إن الأرش واجبة وثابتٌ في النصوص الواضحة من القرآن والسنة والإجماع.
أما من القرآن الكريم:
لم يذكر لفظ الأرش في القرآن الكريم، وإنما ذُكر لفظ الدية في آية واحدة تُعتبر بمثابة القاعدة والأساس العام للديات في الشريعة الإسلامية، حيث جاء تفصيل الديات وبيان أحكامها في السنة النبوية التي كان لها دور رئيس وبارز في شرح هذه القاعدة العامة التي قررها القرآن الكريم، وهي قوله تعالى : ” وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا “النساء:92. وهذه الآية وإن ذكرت في سياق الحديث عن عقوبة الجناية على النفس، إلا أن لفظ الدية كما أسلفت شاع عند أكثر الفقهاء استخدمها في بدل النفس وما دونها، فالآية متضمنة لمشروعية الأرش وإن لم تصرح بذلك.
أما السنة الشريفة:
كان للسنة النصيب الأعظم في تفصيل أحكام الأرش، ففصلت مجمل القرآن، وأضحت مبهمة، وخصصت مطلقة، وأتمت ما سكت عنه، لذا جاءت أحكام الديات مفصلة في السنة النبوية. ومن الأحاديث التي وردت في مشروعية الأرشِ وثبوته ما يلي:
– ما روي عن أبي شُريح الخُزاعي قال: سمعتُ رسول صلى الله عليه وسلم يقول: ” من أصيب بدمٍ أو خبل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث؛ إما أن يقتصُ أو يأخذ العقل، أو يعفو. فالحديث يعطي الحق للمعتدي عليه بالقتل أو الجرح، الخيار بين إحدى ثلاثة أمور لا رابع لها؛ إما القصاص من المعتدي أو أخذ العقل منه أو العفو عنه بلا مقابل، والمراد بالعقل الدية سواء كانت على النفس أو ما دونها، وتخيير المجني أو وليه بأحد الأمور الثلاثة دليل على مشروعيتها ومن ضمنها الدية المتضمنة للأرش، فالحديث وإن كان إسناده ضعيفاً إلا أن معناه صحيح لضافرِ الأدلة الصحيحة الدالة على ذلك والتي سيأتي بيانها بالتفصيل في أنواع الجراحة ومقاديرها، وللقاعدةِ العامة التي تبين عصمة الدماء وأن من اعتدى عليها بغير حق استحق العقوبة.
الإجماع:
حديث أجمع اهل العلم على مشروعية على مشروعية الدية في الجملة بما فيها ديات الأعضاء.
الحكمة من مشروعية الأرش:
- إن في تشريع الأرش حفظاً للنفس التي تُعتبر أحد ضروريات الحياة؛ وذلك لأن في الأرش حفظ لما دون النفس، وما دون النفس خلق وقاية للنفس، فلا بدّ من الحفاظ على كل ما يؤدي للحفاظ على الأنفس.
- إن في تشريع الأرش تطبيقاً عملياً واقعياً لقاعدة لا يُهدر دمّ في الإسلام، فلو لم يُشرع الأرش لضاعت الجناية هدراً خاصة في الجنايات التي لا تستوجب القصاص كالتي يتعذر فيها القصاص، أو التي تقع خطأ.
- إن في تشريع الأرش إرضاء للمجني عليه ورفعاً للضرر الواقع عليه بالاعتداء، لقول النبي عليه الصلاة والسلام ” لا ضرر ولا ضرار “وللقاعدةِ العامة: الضرر يزال شرعاً، وفي الاعتداء على بدن الإنسان ضرر لا بد من إزالته وتعويض المجني عليه عما فاته من النقص، بمالٍ يؤديه إليه الجاني.
- أيضاً فيه زجر وردعٌ للجاني خاصة في الجناية العمدية ولكل من تسول له نفسه الاعتداء على الآخرين، حتى تنحسر الجريمة في المجتمع فيسود الأمن والاطمئنان.