معجزة نبي الله هود عليه السلام لقومه عاد:
لقد أرسل تعالى أنبياءه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فعندما أرسل الله الأنبياء لدعوةِ أقوامهم لعبادة الله عزّ وجل، أرسل مع كل نبي منهم ما يؤيد به دعوته، ويُثبت به صدق الرسالة، فأعطى كل نبي آية أو بينة من البينات، أو دليلاً على صدق نبوته، وصدق دعوته فمحمد عليه الصلاة أيده الله بكثير من المعجزات المادية والمعنوية تكفل الله بحفظها وهي القرآن الكريم، وأيده الله بمعجزات مادية كثيرة فمنها انشقاق القمر، وخروج الماء من بين أصابعه، ولكننا هنا بصدد الحديث عن معجزة هود عليه السلام، فقد بعث الله هوداً إلى قومه عاد يدعوهم إلى عبادة الله وحده وأن يتركوا عبادة الأصنام، فأبى أكثر القوم واتهموه بالسفاهة والجنون والكذب، كما فعلت قريش مع نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ولم نجد نصاً قرآنياً يذكر لنا معجزة هود عليه السلام، فقد دعا قومه بالحجج والبراهين، وقد آتاه الله من الآيات كغيره من الأنبياء ولكن لم تشتهر معجزته، فقال تعالى: “قَالُوا يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِىٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ” هود:53.
خاطب قوم عاد عليه السلام نريد حجة أو معجزة أو آية تدل على صدق ما تقول، كي نترك عبادة الأصنام ونتبعك. فقد ذكر الطبري في تفسيره: قال قوم عاد لقوم هود عليه السلام، يا هود ما جئتنا ببيانِ ولا برهان على ما تقول لنا، فنسلم لك، ونقر بأنك صادق فيما تَدعونا إليه من توحيد الله والإقرار بنبوتك. لقد ذكر القطان في تفسيره قالوا: ياهود ما جئتنا بحجةٍ واضحة وبينة تؤيد دعواك في أنك مُرسل من عند الله، ولن نترك عبادة آلهتنا بمجرد قولك.
لقد ذكر الشيخ علوان: “ما جئتنا ببينة” وبرهان ومعجزة واضحة مثبتة لدَعواك حتى نقبل منك قولك، وبعد ما لم تجيء إلينا بالبينة الملجئة ما كنا نعتقدكَ صدوقاً صادقاً ثقة معتمداً حتى نقبل منك قولك بلا بينة واضحة وحجة صادقة، اترك ما أنت عليه من الدعوى الكاذبة، فقال تعالى: “وما نحنُ بتاركي آلهتنا” التي قد وجدنا آباءنا وأسلافنا عابدين عاكفين عن قولك وعن مجردِ دعواكَ بلا بينةٍ واضحة ودليلٌ وبالجملة وبالجملة: “ما نحن لك بمؤمنين” مصدقين بلا شاهد وبينةٍ تدل على صدق دعواك.
ذكر الشعراوي: إن البينة التي جاء بها هود عليه السلام أنه وقف أمام قومه ودعاهم إلى ترك الكفر وترك الشر والإيمان بالله، وهو تحدي القادرين عليه؛ لأنهم أهل طغيان، وأهل بطش، ومع ذلك لم يقدروا عليه، مثلما لم يقدر كفار قريش على رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام.
ويرى الباحثُ أن نبي الله هود عليه السلام قد أيده الله تعالى بالآيات والمعجزات ولكن لم يشتهر ذكرها ولم يُصرخ بها القرآن الكريم وعليه فلا نستطيع تحديدها أو تعينها، فالله تعالى وحده فقط من يعلم بمعجزة هود عليه السلام.
قال الخازن في تفسيره: قال هود عليه السلام مجيباً لهم “إنّي أُشهِدُ اللهَ” يعني على نفسي واشهدوا يعني واشهدوا أنتم أيضاً علي “أني بريءٌ ممّا تُشركون من دونهِ” يعني هذه الأصنام التي كانوا يعبدونها “فكيدُوني جميعاً” يعني احتالوا في كيدي وضي أنتم وأصنانكم التي تعتقدون أنها تضر وتنفع، فإنها لا تضر ولا تنفع “ثُم لا تُنظرون” يعني ثم لا تمهلون وهذا فيه معجزةً عظيمة لهود عليه السلام، وذلك أنه كان وحيداً في قومه، فما قال لهم هذه المقالة ولم يَهابُهم ولم يخف منهم مع ما هم فيه من الكفر والجبروت إلّا لثقته بالله تعالى وتوكلهِ عليه.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “ما من الأنبياءِ نبيٌ إلّا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيتُ وحياً أوحاهُ الله إليّ، فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة” صحيح البخاري.
إنّ صيغة هذا الحديث النبوي الكريم تقتضي العموم، أي إنّ لكل نبيٍ من أنبياء اللهآية ومعجزة تدلُ على صدق دعواه، والقرآن الكريم،قد ذكر بعض المعجزات، وسكت عن معجزات، فالأمرُ هنا بهنوعٌ من التكلف لطالما القرآن سكت عن هذه الآية، ولم يذكرها فمن العلماء من جعل الهلاك الذي أهلك به قوم عاد هو المعجزة، ومنهم من جعل ثباتُ هود على الدعوة معجزة، ومنهم من جعلَ تحدي هودٍ لقومه معجزةً، كما قال تعالى: “مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ” هود:55.
ونستخلص من ذلك كله أن الله تعالى أيدَ نبيهُ هوداً عليه السلام بآياتٍ بيناتٍ، ولكن لن تعين ولم توضح ما هي عين هذه الآيات والمعجزات، رغم نكران قومه عاداً لهذه الآيات واعتراضهم على الدعوة.