انقطاع الحول في الزكاة:
ينقطع الحول عن الزكاة بعدّة أمور وهي ما يلي:
أولاً: إذا نقص النِصاب أثناء الحول قبل إتمامه انقطع الحول، ومن المثال على ذلك، رجلٌ عندهُ أربعون شاةً، وقبل إتمام الحول نقصت واحدة، فلا زكاة في الباقي؛ وذلك بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: “لا زكاةَ في مالٍ حتى يحول عليه الحول” رواه ابن ماجه. ولأنّ وجود النصاب في جميع الحول هو شرطٌ لوجوب الزكاةِ.
ثانياً: إذا باع النصاب بغيرِ جنسهِ أثناء الحول فلا فرار من الزكاة انقطع الحول، إلا في عُروض التجارة، ومن المثال على ذلك: رجلٌ يملكُ أربعين شاةً سائمة، وقبل إتمام الحول باعها بدراهم لا فراراً من الزكاة، وأنّ هذه الأغنام لا يُقصد بها عروض التجارة، ففي هذه الحالة ينقطعُ الحول.
ثالثاً: إذا استبدل النصاب بغير جنسهِ في أثناء الحول لا فراراً من الزكاةِ انقطع الحول، ومن المثال على ذلك الأمر، شخصٌ عنده أربعون من الغنم أبدلهما ببقر، أو أبدلهما بإبلٍ، فإنّ الحول ينقطعُ، ويبدأ من أول الحول في البقر أو الإبل. ولا شكّ أنّ هذا الشيء يدخلُ في بيع النصاب؛ وذلك لأنّ تعريف البيع ينطبقُ عليه، والبيع هو استبدال مالٍ ولو في الذّمة بمثلِ أحدهما.
أمّا إذا باعه أو استبدله بجنسهِ؛ فإن الحول لا ينقطعُ، ومن الأمثلة على ذلك: رجلٌ باع ذهباً بذهب أو فضةً بفضة أو ما يُشبه ذلك من جنسه، أو أبدل أربعين شاةً بأربعين مثلها، فالحولُ في هذه الحال لا ينقطع؛ لأنّه أبدلهُ بجنسه، أمّا إذا فعل شيئاً من ذلك فراراً من الزكاة، فإن الحول ينقطع. فقال الإمام الخرقي: وإذا باع ماشيةً قبل الحول بمثلها زكّاها إذا أتم الحول من وقتِ ملكه الأول.
قال ابن قدامة: أنّ جملة الحول إذا باع نصاباً للزكاة ممّا يُعتبر فيه الحول بجنسهِ، مثل الإبل بالإبل أو البقر بالبقر، أو الغنم بالغنم أو الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة، فلا ينقطع الحول، وبُني الحول الثاني على الحول الأول. وبهذا الأمر قال مالك أيضاً، ووافقهم في ذلك أبو حنيفة في زكاة الأثمان.
قال أحمد بن سعيد: سألت أحمد عن الرجل الذي يكون لديه غنمٌ سائمة فيبيعها بضعفها من الغنم، فهل عليه أن يُزكيها كُلها أم يعطي زكاة الأصل؟ فقال: عليه أن يُزكيها جميعها، على حديث عمر في السخلة يروح بها الراعي؛ لأنّ نماءها معها، فقلت: إن كانت للتجارة، قال يُزكيها جميعها. وأمّا إن باع النصاب بدون النصاب انقطع الحول، وإنّ كان عنده مئتان وباعها بمائةٍ، فتوجب عليه زكاةُ مئةٍ واحدةٍ.
قال الخرقي رحمه: إذا استبدل شخصاً خمسين ديناراً بأربعمائة درهم أو أربعمائة درهم بخمسين ديناراً، فلا تُبطل الزكاة بانتقالها. وقال ابن قدامة: وأنّه متى أبدلَ نصاباً من غير جنسهِ، انقطع حول الزكاة واستأنف حولاً، إلّا الذّهب والفضة أو عروض التجارة؛ وذلك لأنّ الذهب والفضة مثل المالِ الواحد إذ هما أروش الجنايات، وقيمُ المُتلفاتِ، وينضمّ أحدهما للآخر في الزكاة، ومثل ذلك إذا اشترى عرضاً للتجارة بنصابِ من الأثمانِ أو باع عرضاً بنصابٍ لم ينقطع الحول؛ وذلك لأنّ الزكاة تجبُ في قيمة العروض لا في نفسها، والقيمة هي الأثمان، فكانا جنساً واحداً، وإذا تكلمنا أن الذهب والفضة لا يضم أحدهما إلى صاحبه، لم يُبنَ حول أحدهما على حول الآخر؛ وذلك لأنّهما مالان لا يضمُ أحدهما الآخر، فلا يُبنَ حوله على حولهِ، مثل الجنسين من الماشية، وأمّا عروض التجارة؛ فإنّ حولها يُبنى على حول الأثمانِ بكلِ حالٍ.
أمّا ما يتعلق بعروض التجارة، فإنّه لا يينقطع الحولُ عن طريق المبادلةِ أو بالبيعِ إذا اشترى عرضاً لتجارةٍ بنقدٍ أو باعهُ به فقد بنى على الحول الأول؛ وذلك لأنّ الزكاة تجبُ في قيم العروض، وهي من جنس النقد، وحتى الإبل والبقر والغنم إذا قصدَ بها التجارة: فإنّهُ يُزكيها زكاة العروض، ولا ينقطعُ الحول إذا كانت من عروض التجارة، سواء باعها بجنسها أو غير جنسها، إذا كانت من عروض التجارة.
أمّا رأي الإمام البغوي قال: أمّا ما يتعلق بعروض التجارةِ، فلا ينقطع بالمبادلة؛ وذلك لأنّ زكاة التجارة تجب في القيمة، والقيمة باقية في مُلكهِ وقت المُبادلة؛ لأنّ مُلكه لا يزول عن أحدهما إلا ويملك الآخر. وإن حصلَ ربح في التجارة فحول الربح يبنى على حول الأصل، وكذا إذا ارتفع سعر التجارة، فإنّ الزكاة تجبُ في جميع القيمة، وإن نقص سعرُ التجارة زكّى القيمة الحاضرة.