خروج القحطاني:
ستظهرً ظاهرةً في آخر الزمان ألا وهي خروجُ رجلٌ من قحطان، تدين له الناس بالطاعة، وتجتمع عليه، وذلك عند تغيّر الزمان، ولهذا ذكره الإمام البخاري في باب تغير الزمان.
لقد روى الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:” لا تقوم الساعة حتى يخرج رجلٌ من قحطان يسوق الناس بعصاه” مسند أحمد.
فقال القرطبي في قوله: يسوقُ الناس بعصاهُ، أي إنه يدل على استقامة الناسِ، وانعِقادهم إليه، وتماسكهم واتفاقهم عليه، ولم يُرد نفس العصا، ولكنه ضرب بها مثلاً لطاعتهم له، واستيلائهُ عليهم، غير أن في ذكرها دليلاً على خشونته عليهم، وعنفهُ بهم، قلت: نعم، سُوقه الناس بعصاهِ وذلك كنايةٌ عن طاعة الناس له ورضوخهِم لأمره، إلا أن ما أشار إليه القرطبي من خشونته عليهم ليس بالنسبة للجميع، كما يظهر من كلامه، بل إنما يقسو على أهل المعصية منهم، فهو رجلٌ صالحٌ ويحكم بالعدلِ والإستقامة، ويؤيد ذلك ما نقله ابن حجر عن نُعيم ابن حماد، أنه روى من وجهٍ قوي عن عبد الله بن عمرو أنه ذكر الخلفاء، ثم قال: ورجلٌ من قحطان. وأيضاً ما أخرجه بسندٍ جيّد عن ابن عباس أنه قال فيه: ورجلٌ من قحطان، كلهم صالح.
ولما حدث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، بأنهُ سيكون هناك ملكٌ من قحطان، فغضب معاوية رضي الله عنه، فقام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنه بَلغني أن رجالاً منكم يتحدّثون بأحاديثَ ليست في كتاب الله، ولا تُؤثرُِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضلُّ أهلها، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: إن هذا الأمرُ في قريش، لا يعاديهم أحدٌ، إبا كبّهُ الله على وجهه ما أقاموا الدين” رواه البخاري.
ولربما أنكر معاوية خشية أن يظنُ أحدٌ بأن الخلافة تجوز في عبر قريش، مع أن معاوية رضي الله عنه لم يُنكر خروج القحطاني، فإن في حديث معاوية قوله: ما أقاموا الدين، فإذا لم يقيموا الدّين، خرج الأمرُ من أيديهم، وقد حصل هذا، فإن الناس لم يزالوا في طاعة قريشٍ إلى أن ضعف تمسّكهم بالدين، فضعفُ أمرهم، وتلاشى، وانتقل الملك إلى غيرهم.
وإن هذا القحطاني ليس من الجهجاه؛ لا بل إنه من الأحرار؛ لأنه نسبةً يرجعُ إلى قحطان الذي ينتمي إلى أنساب أهل اليمن من حِمير وكندةً وهمدان وغيرهم إليه، أما الجهجاه فهو من الموالي، والذي يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” لا يذهب الليلُ والنهار حتى يملك رجلٌ من الموالي، ويقالُ له جهجاه” أخرجه الترمذي وأحمد.