من بعض صور الدجال تسليط الله تعالى عليه شاب فيقتله ثم يحييه:
إن من بعض صور فتنة الدّجال أن الله تعالى يسلط على شابٍ فيقتلهُ ثم يحييه، ولا يسلط على أحدٍ بعده. فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “حدَثَنا أَبو اليَمان، أَخبَرنا شُعيب، عن الزُّهرِىِ، أَخبرنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بن عَبدِ اللَّهِ بنِ عُتبَةَ بنِ مسعُودٍ أَن أَبا سعِيد قَال: حدَّثَنا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسلَّمَ يوماً حدِيثًا طَوِيلاً عن الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيما يحدِّثنَا بِه أَنهُ قَال:”يَأتِى الدَّجال وهُو مُحرم عَلَيهِ أَن يدخل نِقَاب المدِينة، فَينزِل بعض السِّبَاخ الَّتى تَلِى الْمَدِينَةَ، فَيخرج إِلَيه يَومئذٍ رجل وهو خَير النَّاس أَو من خِيَارِ النَّاس فَيَقُول: أَشهَد أَنَّك الدّجالُ الذِى حَدَّثَنا رسول اللَّه صلَّى اللَّه عَلَيه وسلم حدِيثَه فَيقول الدّجال: أَرأَيتم إِن قَتلت هَذَا ثمَّ أَحييتهُ هَل تَشكون فِى الأمرِ؟ فَيَقولون: لاَ فَيَقْتلهُ ثم يُحيِيهِ فَيَقُول: وَاللَّهِ مَا كُنتُ فِيكَ أَشدَّ بصِيرة مني اليوم فَيرِيد الدَّجال أَن يقْتله فَلا يسَلَّط علَيه”.
وأخرج الإمام أحمد بسند حسن عن جنادة بن أبي أمية أنه قال:”أتيت رجلاً من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فقلت له: حدثني حديثاً سمعته من رسول الله عليه الصلاة والسلام في الدّجال، ولا تحدثني عن غيرك وإن كان عندك مصداقاً، فقال، سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: أنذرتكم فتنة الدّجال، فليس من نبي إلا أنذره قومه، أو أمته وإنه: آدم جعد، أعور عينه اليسرى، وإنه يمطر ولا ينبت الشجر، وأنه يُسلط على نفس فيقتلها، ثم يحييها ولا يسلط على غيرها، وإنه معه جنة ونار، ونهر وماء، وجبل خبز، وإن جنته نار، وناره جنة، وإنه يلبثُ فيكم أربعين صباحاً، يرد فيها كل منهل، إلا أربع مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، والطور، ومسجد الأقصى، وإن شكل عليكم أو شبه فإن الله عزّوجل ليس بأعور”.
وأخرج ابن ماجه بسندٍ صحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:” وإن من فتنتهِ أن يُسلط على نفس واحدة فيقتلها، ينشرها بالمنشار حتى تُلقي شقيقين، ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا، فإني أبعثه ثم يزعم أن له ربّاً غيري، فيبعثهُ الله، ويقول له الخبيث، من ربك؟ فيقول: ربي الله، وأنت عدو الله، أنت الدّجال، والله ما كنت قط أشدُ بصيرة بك مني اليوم”. صحيح الجامع.
إن هذا الشاب الذي يقتله المسح ثم يحييه هو أعظم الناس شهاجةً عند الله تعالى أخرج الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:”يَخرجُ الدَّجَّالُ فَيَتوجهُ قِبَلَهُ رَجُل مِن المُؤْمِنِينَ، فَتَلْقاهُ المَسالِحُ، مَسالِحُ الدَّجَّالِ، فيَقولونَ له: أين تعمِد؟ فيَقولُ: أعمِدُ إلى هذا الذي خرَج، قال: فيَقولونَ له: أوَ ما تُؤمن برَبِّنا؟ فيَقولُ: ما بربِّنا خَفاءٌ، فيَقولون: اقْتلوه، فيَقول بَعضُهم لِبَعض: أليسَ قد نَهاكُمْ رَبُّكُم أنْ تَقتُلُوا أحَدًا دُونهُ، قالَ: فَيَنطَلِقُون به إلى الدَّجال، فإذا رآهُ المؤْمن، قال: يا أيُّها الناس هذا الدَّجالُ الذي ذَكَر رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، قال: فَيَأمرُ الدَّجَّالُ به فيشَبَّح، فيَقول: خُذوه وشجوه، فيوسعُ ظَهره وبطنُهُ ضرباً، قال: فيقولُ: أو ما تُؤْمن بي؟ قال: فيَقول: أنت المَسِيحُ الكَذّابُ، قال: فيُؤْمر به فيؤْشَرُ بالمِئشارِ مِن مَفرِقِهِ حتى يفَرَّق بين رِجلَيه، قال: ثُم يَمشِي الدَّجالُ بين القطعَتَينِ، ثُمَّ يقول له: قُم، فَيستَوِي قائِماً، قال: ثُم يقولُ له: أتُؤْمن بي؟ فيَقول: ما ازددت فِيك إلَّا بصِيرة، قال: ثم يقولُ: يا أيُّها النَّاسُ إنَّه لا يَفعَل بَعدِي بأَحد من النَّاس، قال: فَيَأخذُه الدَّجال لِيذبحه، فيجعَل ما بين رقَبَتِه إلى تَرقُوَته نحاساً، فلا يَستَطِيع إلَيهِ سَبِيلاً، قالَ: فَيَأْخذُ بيَدَيهِ ورِجلَيه فَيَقْذِفُ به، فَيَحْسِبُ النَّاسُ أنَّما قَذَفَهُ إلى النَّارِ، وإنما أُلقِي في الجَنة فَقال رسول الله صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّم: هذا أعظَم النَّاسِ شَهادَة عند ربّ العالَمِين.
وأخرج الإمام مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال:” ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدّجال ذات غداةٍ، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفةٍ النخل، ثم ذكر في الحديث، فقال: ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبلُ، ويتهللُ وجهه يضحك، فبينما هو كذلك، إذ بعث الله المسيح ابن مريم عليه السلام.
ففي حديث النواس رضي الله عنه فيضربه بالسيف، وفي غيره: فيُنشر بالمنشار” قال الحافظ: ورواية المنشار تُفسر رواية السيف، فلعل السيف كان به فلول، فصار كالمنشار، وأراد المبالغة في تعذيبه بالقتلة المذكورة، ويكون قوله: فضربه بالسيف مفسراً لقوله” فنشرَ بالمنشار”.
ويذكر بعض أهل العلم كأبي إسحاق ابراهيم بن سفيان ومعمر إلى أن هذا الشاب الذي يقتله المسيح الدّجال إنما هو الخضر، وهذا القول في نظر، ويرده حديث النبي عليه الصلاة والسلام: ما من نفسٍ منفوسةٍ يأتي عليها من اليوم مائة عام وهي على ظهر الأرض. ولا يسلط الدّجال بالقتل والإحياء إلا على ذلك الشاب مرةً واحدة، وما ورد عن حذيفة رضي الله عنه أن مع الدّجال رجالاً يقتلهم ثم يحييهم، فإنما هم شياطين وقتله إياهم ثم إحياؤه لهم، وإنما هو في رأي العين، لا على الحقيقة، ويشهد لذلك الحديث الذي أخرجه ابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
إن المسيح الدّجال يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك، فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك”.