من تباح خطبتها

اقرأ في هذا المقال


المراد بخِطبتها:

الخِطبة: هي مقدمةُ الزواج ووسيلته، فإذا كان الزواجُ بالمرأة ممنوعاً شرعاً، كانت خطبتها ممنوعة أيضاً، وإذا كان الزواج بها مباحاً شرعاً، كانت خطبتها مباحة أيضاً. وقد يوجد مانع شرعي مؤقت من الخطبة والزواج، لذا يشترط لإباحة الخطبة شرطان وهما:

الشرط الاول: ألا يحرم الزواج بها شرعا ً: بأن كانت من المحارم المحرمة تحريماً مؤبداً، كالأخت والعمة والخالة، أوتحريماً مؤقتاً، كأخت الزوجة، وزوجة الغير، لما في حالات المؤبد من الضرر بالأولاد والضرر الاجتماعي، ولما في المؤقت من النزاع والفساد.
فخطبة المعتدة: من حالات التحريم المؤقت: أن تكون معتدة، أي في أثناء العدة من زواج سابق، فإنه يحرم باتفاق الفقهاء الخطبة الصريحة أوالمواعدة للمعتدة مطلقاً، سواء أكانت بسبب عدة الوفاة، أم عدةُ الطلاق الرجعي أم البائن، لمفهوم قوله تعالى:”ولا جناح عليكم فيما عرَّضتم به من خطبة النساء، أوأكننتم في أنفسكم، علم الله أنكم ستذكرونهن، ولكن لا تواعدوهن سراً، إلا أن تقولوا قولاً معروفاً” البقرة:235.
والتصريح: ما يقطع بالرغبة في الزواج، مثل: أريد أن أتزوجك، وإذا انقضت عدتك تزوجتك.

وسبب تحريم الخطبة بطريق التصريح: أنه ربما تكذب في انقضاء العدة، ولأن في خطبتها اعتداء على حق المُطلِّق، والاعتداء على حق الغير حرام شرعاً، لقوله تعالى:”ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين”البقرة:190.

وأما الخِطبة بطريق التعريض: وهو القول المفهم للمقصود وليس بنص فيه، ومنه الهدية، أو هو ما يحتمل الرغبة في الزواج وعدمها، كقوله لها: أنت جميلة، ورب راغب فيك، ومن يجد مثلك، ولست بمرغوب عنك، أو عسى أن ييسر الله لي أمرأة صالحة، أو نحو ذلك:
1.فإن كان سبب العدة وفاة الزوج، جازت الخطبة باتفاق الفقهاء؛ لانتهاء الزوجية بالوفاة، فلا يكون في خطبتها اعتداء على حق الزوج ولا إضرار به.
2.  وإن كان سبب العدة هو الطلاق فإن كان الطلاق رجعياً، حرمت الخطبة باتفاق الفقهاء؛ لأن لمن طلَّقها الحق في مراجعتها أثناء العدة، فتكون خطبتها اعتداء على حقه، فهي زوجة أو في معنى الزوجة.

وإذا كان الطلاق بائناً بينونة صغرى أو كبرى، ففي خطبة المعتدة ممن طلّقها بالتعريض فهناك رأيين لبعض أصحاب المذاهب وهما:

رأي الحنفية: تحريم الخطبة؛ لأن لمُطلِّقها في حالة البينونة الصغرى أن يعقد عليها مرة أخرى قبل انقضاء العدة، كما بعدها، فلو أبيحت خطبتها، لكان في ذلك اعتداء على حقوقه، ومع له من العودة إلى زوجته مرة أخرى، كالمطلقة الرجعية. وأما في حالة البينونة الكبرى فتمنع الخطبة في العدة بطريق التعريض، كيلا تكذب المرأة في الإخبار بانتهاء عدتها، ولئلا يظن أن هذا الخاطب كان سبباً في تصدع العلاقة الزوجية السابقة. وأما آية “ولا جناح عليكم” البقرة:235. فهي خاصة بالمعتدات للوفاة بدليل الآية التي قبلها: “والذين يتوفون” البقرة:234.

رأي الجمهور: جواز الخطبة، لعموم الآية السابقة: “ولا جناح عليكم فيما عرَّضتم به” البقرة:235. وقوله:“إلا أن تقولوا قولاً معروفاً”البقرة:235. يعني لا تواعدوهن إلا بالتعريض دون التصريح، ولانقطاع سلط ة الزوج عن البائن، فالطلاق البائن بنوعيه يقطع رابطة الزوجية، فلا يكون في خِطبتها تعريضاً اعتداء على حق المُطلِّق، فتشبه المعتدة بسبب الوفاة.وأرجح مذهب الجمهور في البينونة الكبرى إذ لا ضغينة في نفس الزوج وقد أكمل الطلاق، وأرجح مذهب الحنفية في البينونة الصغرى.
وقال الحنفية والشافعية: يفسخ النكاح، فإذا انتهت العدة، جاز لهذا الزوج أن يخطبها مرة أخرى ويتزوجها، ولم يتأبد التحريم؛ لأن الأصل أنها لا تحرم إلا أن يقوم دليل على الحرمة من كتاب أو سنة أو إجماع، ولا دليل من هذا.

الشرط الثاني: ألا تكون المخطوبة مخطوبة سابقاً لخاطب آخر: إذ لا تحل خِطبة المخطوبة، للحديث الذي ذكر سابقاٍ:”لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن”. وقد فصّلت القول في الخطبة على الخطبة، وظاهرُ النهي في هذا الحديث وغيره يدل على التحريم، ولأنه نهي عن الإضرار بالإنسان، فكان مقتضاه التحريم كالنهي عن أكل ماله، وسفك دمه. فإن فعل، فزواجه عند الجمهور صحيح وعليه الإثم، ولا يفرق بين الزوجين عند الجمهور، كالخِطبة في العدة؛ لأن النهي ليس متوجهاً إلى نفس العقد، بل هو متوجه إلى أمر خارج عن حقيقته، فلا يقتضي بطلان العقد، كالتوضؤ بماء مغصوب.
وروي عن مالك وداود: أنه لا يصح؛ لأنه نكاح منهيٌ عنه، فكان باطلاً مثل نكاح الشغار. والمعتمد عند المالكية: أنه إذا رفعت الحادثة لحاكم، وثبت عنده العقد على المخطوبة ببينةٍ أوإقرار، وجب عليه فسخه قبل الدخول بطلقة بائنة.


شارك المقالة: