من علامات الساعة التي لم تقع – الجهجاه والقحطاني:
أولاً: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:” لا تذهبُ الأيامُ والليالي حتى يملكُ رجلٌ. وفي رواية الترمذي من الموالي، يُقالُ له الجهجاهُ” أخرجه مسلم.
ومعنى الموالي: هي جمع مولى وهو المملوك. إن دلالة هذا الحديث هو أنّ تملك هذا الملك من علامات الساعة، وقول النبي عليه الصلاة والسلام” يُقالُ له الجهجاه” إشارةً إلى أنه لقبٌ له وأن ظاهر الحديث يُشير على أنه يملكُ على سبيل التغلب لا بشورى أهل الحل والعقد؛ وذلك لأنه مملوكٌ، ولأنهُ يُخالفُ الأحاديث القاضيةِ بأن الخلافة تكون في قريش.
ثانياً: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:” لا تقومُ الساعة حتى يخرج رجلٌ من قحطان يسوقُ الناس بعصاهُ”. أخرجه البخاري في المناقب.
شرح الحديث:
إنّ عبارة يسوقُ الناس بعصاه، جاءت من باب الكناية للإشارة إلى الملك، حيث شبه النبي عليه الصلاة والسلام القحطاني بالراعي وشبهَ رعيتهُ بالغنم، ونكته التشبيه التصرف الذي يملكهُ الراعي في الغنم، يحتملُ أنها كنايةً إلى تغلبه عليهم وانقيادهم له، ويكونُ المراد بالعصا الإشارة إلى خشونته وعسفه بهم، أو للدلالة على شدة عُنفه وعدوانه.
إن هذه العلامة في أغلب الظن أنها لم تقع، ويُراد بها الإشارة إلى ملك يتملكُ على الأمة في آخر الزمان، والقحطاني معروفٌ بنسبته دون اسمه، وقد جوز القرطبي أن يكون الجهجاهُ هو نفسه القحطاني؛ لأن أصل كلمة الجهجاه من الصياح وهي صفةٌ تناسب ذكر العصا في حديث القحطاني، وهذا الاحتمال في ظنّ البعض ضعيف؛ لأنه جاء في رواية الترمذي التصريح بأن الجهجاه من الموالي، أما القحطاني فظاهر السياق أنه من الأحرار لإطلاق كونه من قحطان.
ليس في السياق ما يُثبتُ على صلاح هذا الملكِ أو فساده، بل كلا الأمرين يَحتملهما النص، وإن كان ذكرهُ كعلامةٍ منفصلة، ولأُدرج ذكره ضمنا مع الأئمة المضلين، ويعزز ذلك بعض الآثار التي أوردها الطبراني، ونعيم بن حماد والهيثمي. حيث أشارت إلى أنّ القحطاني، يملك بعد المهدي، وأنه يستن بسنته، ولا يكون أقلّ منه في الصلاح، وعلى يديه تفتحُ روما، وفي رواية أنه هو الذي يخوض الملاحم ووفق هذه الآثار يكون المراد بها بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه يسوق الناس بعصاهُ الإشارة إلى تملكه امر الأمة وكون ذكر القحطاني كعلامة مستقلةٍ عن غيره من الأئمة الذين يحكمون الأمة يعزز مصداقية تلك الآثار؛ لأنه في مثل هذه الحالة لا بدّ أن يكون للقحطاني أثر واضح في حق الأمة، والأغلب أنّ هذا الأثر يكون في جانب الصلاح.
وعلى فرض ثبوت هذه الآثار فإن القحطاني يملك في مرحلة عيسى عليه السلام، وقد يُورد البعض إشكالاً هنا بقوله: كيف يملك القحطاني أو يسوق الناس بعصاه في عهد عيسى عليه السلام، والامرُ إنما هو لعيسى عليه السلام، ويجوابُ على ذلك بأنه لا يمتنعُ أن يقيمه عيسى عليه السلام نائباً له، ويوكله بأمورٍ مهمةٍ تتعلق بأمور الأمةِ. وأن نتيجة هذا الأمر أنّ كل ما ذكرت عبارة عن احتمالات، ولا يستبينُ لنا الحق في تصورِ هذه العلامةِ إلى حينَ وقوعها، إلا أن ما يجب معرفتهُ هو أنّ ذكر هذه العلامة منفصلةً على وجه الخصوص لا بدّ أن يكون له علاقة بأمر مفصلي هام في حق الأمةِ، وفي الأغلب أنه رجلٌ صالح.