ارتفاع الأسافل:
إنّ من علامات الساعة الصغرى التي ظهرت هي ارتفاعُ أسافلِ الناس عن خيارهم، واستئثارهم بالأمور دونهم، فقد يكون أمر الناس بيد سفهائهم وأراذلَهم ومن لا خير فيهم، وهذا الأمر من انعكاس الحقائق، وتغيُّر الأحوال وتقلب الأمور، وأيضاً هو أمرٌ مشاهد وواضحٌ في هذا الزمن، فترى كثيراً من رؤس الناس، أصحاب الحلّ والعقد، الذين هم أقلّ الناس صلاحاً وعلماً، مع أن الواجب أن يكون أهل الدين والتقى هم المقدّمون على غيرهم في تولّي أمور الناس؛ لأن أفضل الناس وأنفعهم وأكرمهم هم أهل الدين والتقوى، كما في كتاب الله تعالى:” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” الحجرات:13.
ولذلك لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام، يولي الولايات وأمور الناس إّلا لمن هُم أصلحُ الناس وأعلمهم، وكذلك خلفاؤه من بعده، ومن الأمثلة على ذلك كثيرةٌ، ومنها ما رواه البخاري عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأهل نجران:” لأبعثنّ إليكم رجلاً أميناً حقٌ أمين، فاستشرف لها أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فبعث أبا عبيدة”. صحيح البخاري.
فهذه بعض الأحاديث الدالة على ارتفاع أسافل الناس، وأن ذلك من إشارات الساعة وأماراتها. فهناك ما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” إنها ستأتي على الناس سنونٌ خدّاعة، يُصدّق فيها الكاذب، ويُكذبُ فيها الصادق، ويؤتمنُ فيها الخائن، ويُخونُ فيها الأمينُ، وينطقُ فيها الرّويبضة، قال: السفيه يتكلّم في أمرُ العامة”. سنن الإمام أحمد.
وفي حديث جبريل الطويل قوله:” ولكن سأحدّثك عن أشراطها وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس، فذاك من أشراطها”. صحيح مسلم.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” من أشراط الساعة: أن يغلب على الدنيا لُكع ابن لُكع، فخيرُ الناس يومئذ مؤمنٌ بين كريمين” رواه الطبراني. وفي الصحيح: “إذا أُسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة” صحيح البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:” من أشراط الساعة أن يعلو التّحوت الوعول” أكذلك يا عبد الله بن مسعود سمعتهُ من حِبي؟ قال نعم وربُ الكعبة. قلنا: زما التّحوت؟ قال: فسول الرجال، وأهل البيوت الغامضة يُرفعون فوق صالحيهم. والوعول: أهل البيوت الصالحة”.
وفي الصحيحين، عن حذيفة رضي الله عنه فيما رواه عن النبي عليه الصلاة والسلام في قبض الأمانة:” حتى يُقال للرجل: ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله، وما في قلبه مِثقالُ حبةٍ من خردلٍ من إيمان”. صحيح البخاري.
فهذا هو الواقعُ الذي يعيش المسلمين في هذا الزمان، يقولون للرجلِ: ما أعقلهُ وما أحسن أخلاقهُ، ويشبهونه بأجمل وأبلغ الأوصاف الحسنة، وهو من أفسق الناس، وأقلّهم ديناً وأمانةً، وقد يكون عدّواً للمسلمين، ويعمل على هدم الإسلام، فلا نستطيع أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.