من علامات الساعة الصغرى أن تلد الأمة ربتها

اقرأ في هذا المقال


أن تلد الأمة ربتها:

أن تلدُ الأمةُ ربتها: ربّتها أي سيدتها، وفي لفظٍ آخر، يعني ربّها، ومعنى هذا أنها تكثرُ الإماء والسراري، فإذا حملت من سيدها وهو مالكها؛ فإن المولودة البنتُ تكون سيدةً ربّةً، والمولودُ الذكر يكون رباً لها، أيّ سيداً لها، وهذا معنى التعريف. يعني تكثر السراري، ويكثرُ الإماءُ، والناس يكثرُ تَسريهم بسبب كثرة الجهاد وكثرة الغنائم، فتكثرُ السراري بين الناس، والسيد يطأُ أمتهُ؛ لأنها ملكهُ ولأنها مباحةٌ له، كما قال تعالى: “وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ-إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ” المؤمنون:5-6.
إن الأمةُ هي المرأةُ المملوكة بعكس الحرة، ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام “ربّها” أيّ سيدها ومالِكها، والربّ يطلق في اللغة على المالك الذي يملك الشيء لنفسه، والسيد والمدبر والمربي وغير ذلك، وعلى هذا يكون معنى قوله عليه الصلاة والسلام” ربّتها ” وتأتي بمعنى سيدتها أو المُنعمةِ عليها، وأما بعلها: فهو الزوج.
لن يختلفُ الحال عند الحديث عن أحد الاضطرابات والاختلالاتِ الاجتماعيّة من ناحية المجال الأسري، والذي أشيرَ إليه في حديث جبريل عليه السلام، ونصه كما جاء في صحيح مسلم: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:” بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، ثم سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، ثم قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال فأخبرني عن أمارتِها، قال عليه الصلاة والسلام: أنّ تلدُ الأمة ربتها. وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان، قال: ثم انطلق فلبثتُ ملياً، ثم قال لي: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يُعلمكم دينكم. صحيح البخاري.

معنى أن تلد الامة ربتها:

لقد ذكر علماء العقيدة وشرح الحديث عدّة معانٍ يمكن تلخيصها فيما يلي:

  • وفي تفسير كيف تلد الأَمة (العبدة أو الجارية) أن تلد سيدتها من غير أن تكون بنتاً لها، فإن التفسير الأول لهذه العبارة أنه من شروط قيام الساعة الصغرى أن تجد الأَمة من يتزوجها من الأسياد فتلد منه بنت أو ابن ويصبح بذلك من تقوم بولادته هو سيدها. ولكن هذا التفسير جاء غير منطقي.
  • وفي تفسير آخر لم يقولوا أن تلد ابن أو بنت لها تصبح ربتها بل قالو تلد ربتها وهذا معناه أن تلد بنتاً غير ابنتها، وهذا دليل على ظاهرة استئجار الرحم التي ظهرت في العصر الحديث.
  • وهو ما أشار إليه الخطابي والنووي وغيرهم، وهو أن المقصود من هذه الكلمة هي اتساع رقعة الإسلام، واستيلاءُ أهله على بلاد الشرك وسبيّ ذراريهم، فإذا امتلك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربّها أي مالكها؛ لأنه ولد سيّدها، وملك الأب راجع في التقدير إلى الولد.
  • أنّ يبيع السادةُ أمهات أولادهم، وهذا ما يكثر في هذه الأيام، فيتداولُ الملاك المستولدة وذلك من أجل أن يشتريها ولدها ولا يشعر بذلك، فعلى ذلك فإن الذي يكون من الأشراط، هم غلبة الجهل الذين قاموا بتحريم بيع أمهات الأولاد أو التساهل بالأحكام الشرعية.
  • أنّ تلدُ الأمة من غير سيّدها، ولكن على نحوٍ لا تُصبح فيه أم ولد، ثم يكون ولدّها حرّاً، وضربوا لذلك عدّة أمثالٍ معروفة، مثل وطء الشبهة، ونِكاح الرقيق، أو الإتيان بالولد عن طريق الزنا، وبعد هذا كله تُباع تلك الأمة بيعاً صحيحاً، وتدور في الأيادي حتى يشتريها واحدٌ من أبنائها الذي كان حرّاً من قبلها، فتحقق صورة أن الأمةَ قد ولدت سيّدها أو سيّدتها.
  • أن تلدُ الأمة ولداً يُعتقُ بعدها، ومن ثم يُصبح هذا الولد ملكاً من الملوك، فتصبح الأم هنا جملة الرعية، والملكُ سيداً لرعيته، هذا كان قول إبراهيم الحربي، وقد وضحه بأن الرؤساء في الشق الأول كانوا يستنكفون غالباً من وطء الإماء، ويتنافسون في الحرائر، ثم انعكس الأمر بعد ذلك.
  • أيضاً أن تلدُ الأمة زوجها، ودليل ذلك هو: إن السبي إذا كثر فقد يُسبى الولد أولاً وهو صغير، وبعد ذلك يُعتقُ ويكبر ويصيرُ رئيساً، لا بل ملكاً، ثم بعد ذلك تُسبى أمهُ فيما بعد، فيشتريهَا وهو لا يعرف بأنها أُمهُ، فيَستخدمها أو يتخذها موطوءةً، أو أن يعتقها ويتزوجها، من غير أن يعلم بأنها أمهُ، وقد تعقّب هذا القول بأن المراد بالبعل: المالك وهو أولى لتتفق الروايات، وأن اللغة تشهد بصحة الإطلاق، فإنهم يذكرون أن بعض العرب قد ضلّت ناقتهُ، فجعل ينادي بالناسِ: من رأى ناقةً أنا بعلُها، بمعنى أنني أنا صاحبها وأنا أملكها.
  • أيضاً أن يكثر العقوق في الأولاد، فيُعامل الولدُ أمهُ معاملةَ السيد أمته من الإهانة؛ وذلك يكون بالسبّ والشتم والضرب والإهانة، فأطلق عليه ربّها مجازاً. ويقول الحافظ: إن هذا أوجه الأوجه عندي لعمومه، ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدلُ على فساد الأحوال مستغربة. ونتيجةُ ذلك يُشير إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور، بحيث يصير المرّبي مُربياً، والسافلُ عالياً.

شارك المقالة: