من علامات الساعة الصغرى - انتقاص عرى الإسلام

اقرأ في هذا المقال


من علامات الساعة الصغرى – انتقاص عرى الإسلام:


عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:” ليُنقضنّ عُرى الإسلام عُروةً عروة، فكلما انتقضت عُروةٌ تشبّث الناسُ بالتي تليها، وأولهنّ نقضاً الحُكم وآخِرُهنّ الصلاة” أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.
إنّ العُرى: هي جمعُ عُروةً وهي مقبض الشيء، مدخل زر القميص، ويُراد بها أيضاً العهود الموثقةً التي يعقدها الإنسان على نفسه على ألا يتحلل ممّا عقد عليه. وتُطلق العروة أيضاً على ما بقي من الشجر في الصيف، أو ما يبقى له أصل في الأرض مثل العرفج ولا يتأثر في القحط، فإذا أمحَلَ الناس عصمت العروة الماشيةُ فتبلغتُ بها.

شرح الحديث:

يتبيّن لنا إن المعنى اللغوي لكلمة عروة أن المقصود بعرى الإسلام تلك الأصول الهامة لدين الإسلام والتي بها تعرف معالمه، وبها تؤتي الرسالة ثمرتُها في الأرض، وبها يتحقق فلاح الأمة والأفراد في الدنيا والآخرة، فهي مقابض النجاة للأمة والأفراد على وجه السواء، وكل مقبض من هذه المقابض إذا تحللت منه الأمة ترتب على ذلك نوع من الخلل الوظيفي لرسالة الإسلام من الناحية التطبيقيةِ.
يتضحُ من الحديثِ أيضاً أن عرى الإسلام كثيرةً، وهي بمجموعها إذا تشبثت بها الأمة عصمت نفسها وأفلحت، وقد ذكر الحديث أن هذه العُرى تذهب من الأمة تدريجاً، ومن العرى التي ذكرها الحديث الصلاة والحكم، وهاتان العروتانِ تُمثلان طرفي عرى الإسلام، أما بقية العرى فتعرف من أحاديث أخرى منها ما ورد عن البراء بنُ عازبٍ، أنه قال: كنّا جلوساً عند النبي عليه الصلاة والسلام:” أيّ عُرى الإسلام أوسطُ؟ قالوا: الصلاة: قال: حسنةٌ وما هي بها، قالوا: الزكاة، قال: حسنةٌ وما هي بها، قالوا: صيامُ رمضان قال: حسنٌ وما هو بهِ. قالوا: الحجّ قال: حسنٌ وما هو به. قالوا: الجهادُ قال: حسنٌ وما هو به، قال: إنّ أوسط عُرى الإيمانِ أنّ تُحب في الله وتبغضُ في الله” أخرجه أحمد في مسنده.
فالحديث هنا يُشير إلى بعض عُرى الإسلام، مثل الصلاة والصيام والزكاة والجهاد، ويبرزُ أنّ أوثق هذهِ العرى وأوسطها وأعظمها أثر الحب في الله والبغض في الله، وهذه العروةِ تمثل قمةَ هرم العرى، وأعظم موثقٍ بها، والحديث يدلُ على أن هذهِ العروة ستذهب من الأمةِ، ولعلَ تفاعل الفتن وتقلبات المحن وما يتبعها من علامات مثل علامات الساعة المذكورة، فإنها كفيلةً بنقض العروة الأهم من الأمةِ.
ويُلحظ من الحديث أن أول عروةٍ تنقضُ هي الحكم، وقد وقع ما أخبر به النبيّ عليه الصلاة والسلام، حيث أن أول نقصٍ ظهر في الأمة كان في تحوّل الحكم من نظام الخلافة الراشدة إلى نظام الملك العضوض، وكان لهذا التغيير أثره الكبير على الأمةِ على وجه العموم، وهذا التغير شهدةً من صحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ومن هذا الوجه يُعتبر هذا الحديث من دلائل نبوة محمد عليه الصلاة والسلام.
ويُلاحظ في الحديث أنّ آخر العُرى انتقاضاً هو الصلاة، ومن المتعارف عليه أن الصلاة هي عمود الدين، فإذا فقدتها الأمةُ لم يبقَ للأمة وجوداً وللرسالة معنىً في الأرض، فكما أنّ سقوط عمود الخيمة إعلام بسقوط الخيمة نفسها وذهاب معلمها الذي به تعرف على وجه الأرض، فكذلك ذهاب الصلاة هو ذهاب معلمها الذي به تعرف على وجه الأرض، فكذلك ذهاب الصلاة هو ذهاب للدين نفسه، وتغييب للرسالة بأكملها.
بقاء الصلاة في الناس كآخر عروة يتشبث بها الناس ليس معناه أنّ هذه الصلاة التي يؤديها الناس تكون على أكمل وجه، بل الذي يبقى في الناس صورةً الصلاة دون روحها إلا صورتها تعصم الناس وتبقى أثراً لها في مدى ارتباطها بدين الله. أما روح الصلاة فهي أول ما تفقده الأمة، وقد ورد عن حذيفة رضي الله عنه، أنه قال:” أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ولتنقضنّ عرى الإسلام عروةً عروة، وليصلين النساء وهن حيض، ولتسلكنّ طريق من كان قبلكَ حذو القدةِ بالقذة، وحذو النعل بالنعل لا تخطئون طريقهم ولا يخطأنكم حتى تبقى فرقتان من فرق كثيرة فتقول إحداهما: ما بال الصلوات الخمس لقد ضلّ من قبلنا، إنما قال الله عزّ وجل:“أقِمّ الصلاةَ طرفي النهار وزلفاً من الليلِ” هود:114. لا تصلوا إلا ثلاثاً، وتقول الأخرى: إيمان المؤمنين بالله كإيمان الملائكةِ ما فينا كافر ولا منافق، حق على الله أنّ يَحشرهما مع الدّجال.
فهذا الأثر يبرز لنا عدة أمور منها: إنّ الخشوع وهو روح الصلاة وعنوان الفلاح بما هو أول ما تفقدهُ الأمة، وإنّ من أشكال تضييع الصلاة أنّ تصلي النساء وهنّ حيض، ولعل الأثر يشير إلى التأويل الذي به يبدأ نقض الصلاة من أصلها؛ حيث تصلي إحدى الفرق بتأويل فاسد ثلاث صلوات، وفرقة أخرى ترى أن مجرد الإيمان بالله دون عمل كفيل بإدخالهِم الجنة مما يوحي بأن هذه الفرقة تترك الصلاة بالكلية.


شارك المقالة: