كثرة شرب الخمر واستحلالها وزخرفة المساجد والتباهي بها:
لقد ظهر في هذه الأمة أناسٌ يشربون الخمر، وأطلقوا عليها إسماً غير اسمها، والأدهى من هذا كلهِ هو استحلال بعض الناس لها، وهذا من أمارات الساعة، فقد روى الإمام مسلمٌ عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: سمعتُ رسول صلّى الله عليه وسلم يقول”من أشراط الساعة.. وذكر منهُ ويشرب الخمر” صحيح مسلم. ومضى ذكر بعض الأحاديث في الكلام على المعازف، وفيها أنه سيكون من هذه الأمة من يستحلّ شُرب الخمر. ومنها ما رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن عبادة بن الصامت؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” لتستحلّنّ طائفةٌ من أمتي الخمر بإسمٍ يسمونها إياهُ” مسند أحمد.
فقد أطلق على الخمر أسماءً كثيرة، حتى سميت المشروبات الروحية، ونحو ذلك. والأحاديث في بيان أن هذه الأمة سيشفو فيها شرب الخمر، وأن فيهم من يستحلّها ويُغير اسمها كثيرة. وفسّر ابن العربي استحلال الخمر بتفسيرين:
الأول: اعتقاد حلّ شُربها.
الثاني: أن يكون المراد بذلك الاسترسال في شربها، كالاسترسَالُ في الحلال.
وذكر بأنه قد سمعَ ورأى من يفعل ذلك الأمر، وفي زمننا هذا أكثر، فقد فُتن بعض الناس وعودوا أنفسهم على شربها. وأعظم من ذلك كله بيعها جهاراً وعلناً وبدون خفاء، وشربها علانيةً في بعض البلدان الإسلامية، وانتشار المخدرات انتشاراً عظيماً لم يسبق له مثيلٌ؛ يُنذر بخطرٍ عظيمٍ، وفساد كبير، والأمر لله من قبلُ ومن بعد.
زخرفة المساجد والتباهي بها:
لقد انتشر في عصرنا الحاضر ظاهرةٌ غريبة ألا وهي زخرفة المساجد والتباهي بها، وهي علامة من علامات الساعة الصغرى ونقشها والتفاخر بها، فقد روى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد” مسند أحمد.
قال البخاري: “قال أنسٌ: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلاً، فالتبّاهي بها: العناية بزخرفتها. قال ابن عباس: لتزخرفنّها كما زخرفت اليهود والنصارى” صحيح البخاري.
وقد نهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن زخرفة المساجد؛ لأن ذلك يشغلُ الناس عن صلاتهم، وقال عندما أمر بتجديد المسجد النبوي: “أكن النّاس من المطر، وإيّاك أن تُحمّر أو تُصفر؛ فتفت النّاس” صحيح البخاري.
وفي رواية للنسائي وابن خُزيمة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:” من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد” سنن النسائي.
ورحم الله عمر رضي الله عنه؛ فإن الناس لم يأخذوا بوصيّته ويعملوا بها، فلم يقتصِروا الزخرفة على الألوان سواء كان بالتحميرِ أوالتصفيرِ، لا بل تعدّوا ذلك إلى نقش المساجد، كما ينقشُ الثوب ويرسم، وتباهي الملوك والخلفاء في بناء المساجد، وتزويقها، حتى أتوا في ذلك بالعجب، ولا زالت هذه المساجد قائمة حتى الآن؛ كما في الشام ومصر وبلاد المغرب والأندلس وغيرها وحتى وقتنا الحاضر لا يزال المسلمون يتباهون في زخرفة بعض مساجدهم. ولا شكّ أن زخرفة المساجد هي علامةٌ على التّرف والتبذير، وعمارتها إنما تكون بالطاعة والذكر فيها، ويكفي الناس ما يُكنهم من الحرّ والفرّ والمطر. وقد جاء الوعيد بالدّمار إذا زُخرفت المساجد، وحُلّيت المصاحف، فقد روى الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:” إذا رُزقتم مساجدكم، وحلّيتم مصاحفكم؛ فالّدمار عليكم”.
قال المناوي: إن زخرفة المساجد وتحليةُ المصاحف منهيّ عنها في الشريعة الإسلامية؛ لأن ذلك يشغلُ القلب، ويلهي البعض عن الخشوع والتدّبر والحضور مع الله تعالى، والذي قال به الشافعية أن تزويق المسجد، ولو الكعبة بذهبٍ أو فضةٍ حرامٌ مطلقاً، وبغيرهِما مكروهٌ.