اقرأ في هذا المقال
المسيح الدّجال:
المسيح الدّجال: وهو الذي يُعدّ خروجه من العلامات الكبرى للساعة، وهو أعظمُ فتنة تحصل على وجه الأرض، وهو شخصٌ يبتلي الله الناس به، ويُمكنّهُ من خوارق كثيرة، يضل بها الناس، فيُرسلُ معه الخصب وزهرة الدنيا، وغير ذلك مما يقع بمشيئة الله تعالى وقدرته حتى إنه يمنحهُ قدرةً على قتل رجلٍ ثم إحياءه، استدراجاً له وامتحاناً لغيره، ولذلك سُميّ باسم مسيحُ الضلالة، ثم يعجزه الله سبحانه وتعالى فلا يقدر على قتل ذلك الرجل مرةً أخرى، ولا على غيره، ثم يُبطل أمره، ويقتله مسيح الهدى عيسى ابن مريم. وهو يتدرجُ في دعواه، فيدّعي الصلاح، ثم بعدها النبوة، ثم الإلهية، ويظهر الخوارق، وقد اقتضت حكمة الله أن يكون تكذيب دعواه بحالته ونقص صورته، وعجزهُ عن إزالة العيب الذي في عينيه كلتيهما، من أجل أن تقوم الحجة على العامة والخاصة بأنه كذاب.
وهو فتنةٌ عظيمة جداً تُدهش العقول، وتُحيّر الألباب، ومع سرعة مرورهِ في الأرض، فيُعتبر به رعاة الناس، وهو لا يمكث بينهم بحيث يتأملون حاله، ويطلّعون على العيب الذي فيه، ولهذا حذرت الأنبياء أمُمها من فتنته، ولا سيما محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فإنه خارجٌ في أمته لا محالة.
ما هو السر في تسميته بالمسيح الدّجال:
يقول ابن الأثير كما هو في جامع الاصول: بأن الدّجال سميّ مسيحاً؛ لأن عينه الواحدة ممسوحةً، والمسيح الذي أحد شِقّي وجهه ممسوحٌ، لا عين له ولا حاجب، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم وهو” إن الدّجال ممسوحُ العين”، وهو”فعيل”، بمعنى مفعول، بخلاف المسيح عيسى ابن مريم، فإنه”فعيل” بمعنى: فاعل، سُمّي به؛ لأنه كان يمسحُ المريضُ فيبرأ بإذن الله تعالى.
أما كونه سُمي دجالاً فهذا الشيء يكون لعدة أسباب منها:
- سُمي الكذّاب دجالاً؛ وذلك لأنه يغطي الحق بباطله، فيُقال: دَجل البعير بالقطران: إذا غطاهُ، والإناء بالذهب: إذ طلاهُ، فأصلُ الدّجل: هو التغطية.
- وسُمي دجالاً أيضاً؛ لأنه يغطي الحق بالكذب. وقيل لأنه يغطي الأرض.
- ويُقال للدّجال: هو المُموه الكذّاب، ويقال سيفٌ مدجل: إذا طُلي، ويقال: دجلتُ السيف: أي موهتهُ وطليتهُ بماء الذهب.
- ويقال: إن الدّجال: وهو ماء الذهب الذي يُطلى به الشيء فيُحسن باطلهُ، وداخله خزفٌ أو عود، وسُمي الدّجال بذلك ؛ لأنه يُحسن الباطل.
إذا أطلق لفظ المسيح فإنما يدل على مسيح الهدى عيسى ابن مريم، لكن إذا ذكر الدّجال، فإنه يذكر مقيداً بالصفات الملازمة له، فيقال: مسيح الضلالة، أو المسيح الدّجال، أو الأعور الدّجال، أو الدّجال بدون إضافة.
ويُطلق البعض على الدّجال اسم المسيح الدّجال” وهذا تصحيف، كما نقل ذلك ابن حجر في فتح الباري عن القاضي عياض أنه قال: ضلّ قومٌ فرووه”المسيخ” بالخاء المعجمة، بينهما بقوله في الدّجال: مسيح الضلالة” فدلّ على أن عيسى مسيح الهدى” فأراد هؤلاء تعظيم عيسى، فحرّفوا الحديث.
أيضاً لم يرد حديث صحيح يدل على اسم الدّجال، واسم أبيه، ونسبه، ومولده.
عقيدة أهل السنة في الدّجال، وذكر المخالفين:
قال النووي في شرحه لمسلم، قال القاضي: إن هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدّجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخصٌ ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره، ونهريه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل، ولا غيره، ويبطل أمره ويقتله عيسى ويُثبت الله الذين آمنوا. وهذا مذهب أهل السنة، وجميع المحدثين والفقهاء والنظار خلافاً لمن أنكرهُ وأبطلَ أمرهُ من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة، وخلافاً للبخاري المعتزلي وموافقيهِ من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح الوجود، ولكن الذي يدعي مخاوف وخيالات، لا حقائق لها، وزعموا أنه لو كان حقاً لم يوثق بمعجزات الأنبياء عليهم صلاة الله وسلامه، وهذا غلطٌ من جميعهم؛ لأنه لم يدّع النبوة، فيكون ما معه كالتصديقِ له، وإنما يدّعي الإلهية، وهو في نفس دعواةٍ مكذّب لها بصورة حالة، ووجودِ دلائل الحدوث فيه، ونقص صورته، وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه، وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيهِ.
ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاعٌ من الناس لسدّ الحاجة والفاقة؛ وذلك رغبةً في سد الرمق، أو تقية وخوفاً من أذاه؛ لأن فتنتهُ عظيمةً تدهش العقول، وتحيّر الألباب مع سرعة مروره في الأرض، فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله، ودلائل الحدوث فيه والنقص، فيُصدقهُ من صدّقة في هذه الحالة.