من علامات الساعة - المعاصي والعقوبات

اقرأ في هذا المقال


من علامات الساعة – المعاصي والعقوبات:

أولاً:“فهل ينظرون إلّا سنت الأولين فلن تجد لسُنة الله تبديلا ولن تجدَ لسنة الله تحويلا” فاطر:43. وقال أيضاً “فلم يكُ ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسرَ هنالك الكافرون” غافر:85. وقال أيضاً:” قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المُكذبين” آل عمران:137.
ثانياً: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: أقبلَ علينا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: “يا معشر المهاجرين خمسٌ إذا ابتليتم بهنّ وأعوذُ بالله أن تُدركوهنّ! لم تظهر الفاحشةُ في يومٍ قط حتى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المئونةِ وجورِ السلطان عليهم. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائمُ لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلطَ الله عليهم عدُواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكمُ أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزلَ الله إلا جعل الله بأسهم بينهم”. أخرجه ابن ماجه.
إنّ المعلوم أن هناك سنناً وقوانين ربانية تحكمُ حياة البشر، كما أنّ هناك سنناً ربانية تحكم المادة، وللأسف استطاع الإنسان أن يكشف كثيراً من القوانين التي تحكم المادة وأنّ يستفيد منها في تيسير حياته “إنّ الله لذو فضلٍ على الناس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون” البقرة:243. إلا أنّ الإنسان لجهله وطغيانه لم ينتبه لتلك القوانين التي تحكم حياته وعلاقته مع الخالق وعلاقته مع البشر، فوقع في المحظور.
والحديث الذي بين أيدينا ينبهنا إلى بعض السنن والقوانين التي تحدد لوازم العقوبات الربانية وموجباتها، بحيث يُبين الحديث أنّ لكل معصيةٍ عقوبة مخصصة لها، تتناسب وطبيعة المعصية.

الجريمة الأولى: انتشار الزنا:
نلاحظُ في الحديث أنّ أول المعاصي الموجبة للعقوبة هي الفاحشة، ويُراد بها هنا الزنا، ويُستفاد من قول النبي عليه الصلاة والسلام من قول النبي عليه الصلاة والسلام “لم تظهر في قوم قط” أمران، وهما:
1. إنّ العذاب مرتبط بظهور الزنا في المجتمع، أي تفشيهِ لدرجة يصبح طبيعياً لا ينكره أحد أو يوجد منكر إلا أنّ درجة الإنكار ضعيفة لا تؤثر في انتشاره وتفشيه.
2.إنّ العقوبة في هذه الحالة تكون عامة تنال من أي قوم يقعون فيها؛ أيّاً كان هؤلاء القوم، لذا جاءت كلمة قوم نكرة للتعميم، وكلمة قط للدلالة على قطعية حصول العقوبة.
ومن الملاحظ أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قد بين أنّ العقوبة المترتبة على انتشار الزنا هو انتشار الأوجاع والطاعونُ والأمراض الأخرى الجديدة غير المعهودةِ من قبل، فكما أنّ الإنسان قد اعتدى بنفسه على روحه الإنسانية بطاعون الروح”وهو الزنا” لذا ناسب المقام أنّ يُبتلى جسدهُ بالطاعونِ والأوجاع، ولئن استطاع البشر أنّ يجدوا بلسماً شافياً للطاعون، واعتلوا سنام الغرور في عصر العلم بأنهُ لا يعجزهم شيء فليعلم “الذين ظلموا من هؤلاء سَيُصيبهم سيئاتُ ما كسبوا وما هم بمعجزين”. الزمر:15

الجريمة الثانية: التطفيف في الكيل: وتُعتبر من الجرائم العظمى التي وقعَ فيها قوم شُعيب فاستحقوا عذاب الله الشديد بسبب كفرهم، ولعلّ خطورة هذه الجريمة تتمثلُ بأكل مال الغير بالباطل دون أنّ يشعر بذلك، وهذا هو عين الظلم والاستغفالِ، وهدف القائمين بذلك هو زيادة أموالهم واغتنائِهم على حساب الآخرين، لذا استحق هؤلاء ثلاثة أشكال من العقوبات تتناسب مع طبيعة الجريمة وتكمن بالعقوبات التالية:
– العقوبة الأولى: القحط وقلة الأمطار الممحقةِ للخير على الأرض، فلا يجد هؤلاء كفايتهم، بل لا يجدون ما يزنُونهُ لكَي يُطففوا فيه، فطعمُهم بالقليل أذهب عنهم الخير الكثير” ذلك جَزيناهُم بما كفروا وهل نُجازي إلا الكفور”. سبأ:17.
– العقوبة الثانية: شدة المئونةِ: وهي عامةٌ وتشمل غلاء الأسعار، وكثرة الضرائب التي تأكلُ الأخضرِ واليابس، وكثرة تكاليف النقل وتعسيرها على أصحابها وغير ذلك من شدة المئونةِ التي لا تبقي ولا تذر، حتى يُصبح تحصيل الشيء القليل يتطلبُ الجهدَ الجهيد” والذي خبُث لا يخرجُ إلّا نكداً”. الأعراف: 58.

– العقوبة الثالثة:
وهي قوة جبروتِ السلطان وظلمهِ للرعية، وأخذ أموالهم أو مصادرتها دون أدنى حق والتشديد عليهم بالضرائب والجمارك، وهذا يتناسب وطبيعة معصيتهم، فلئن وجد المُطففون وسائلهم لأكلِ مال الناس بالباطل والاستكثار منه، فقد وُجد أيضاً من أهو أكثر ظلماً منهم وأشدُ نكاية بهم ليأخذ منهم ما جمعوا قسراً أمام أعينهم “وكيفما تكونوا يولى عليكم”.
الجريمة الثالثة: منع الزكاة: الزكاة حق أوجبه الله تعالى على الأغنياء حقاً للفقراء، وهي عنوان تزكية وبركة لأصحابها” ويَربي الصدّقات”. البقرة:276. ومنعها نوع من أنواع كفر النعمة، وسبب المنع هو الطمع والتزيد بما لا يملك حقيقة، وإن كان في الظاهر هو المالك له، وما دام الإنسان يمنع الحق عن إخوته طمعاً، إذا ليُعاقب الإنسان بمنع فضل الله تعالى عليه، وكفران النعمةِ سببٌ لزوالها، فكانت العقوبة بمنعِ القطر من السماء ولولا وفور رحمة الله بخلقه مِمن يُعايش هؤلاء الجاحدين كالبهائم لم لم يمطروا قطرة واحدة من السماء، فنزول المطر عليهم ليس كرامة لهم بل رحمة ببهائِمهم.

الجريمة الرابعة:
إن من المعلوم أنّ هناك مواثيق غليظة بين البشر وبين الله تعالى من لدن آدم على ألا يشركوا بالله شيئاً، ويسمعوا ويُطيعوا، وقد انتقلت هذه المواثيق عبر الرسل إلى أممهم، إلى أن انتهت بالرسول الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام، والحفاظ على هذه المواثيق هو الذي يبقي الأمة في دائرة الرسالة والعبودية، فإذا نقضت أمة هذه العهود والمواثيق أصابتها اللعنة وقسوة القلب والخسران في الدنيا والآخرة يقول الله تعالى: “وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ” الرعد:25. وقال تعالى أيضاً: “فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ” المائدة:13.
الجريمة الخامسة: عدم الحكم بما أنزل الله: إن هذه الجريمة تمثلُ الطامة الكبرى بالنسبةِ للأمة، وتخرجها من دائرة العبودية لله سبحانه وتعالى في جميع شؤون حياتها، بل تخرج الأمة من دائرة الرسالة بأكملها، وأي بقاء لرسالةٍ سماوية ما دامت تعاليمها لا تحترم، ويُقدم عليها زبالات الفكر البشري القاصر، لذا وقوع الأمة أو حكامها بهذا الأمر يترتب عليه لا محالة الشرمذةِ والتشيع والتفرق المفضي للحقد والكراهية المؤدية للاقتتال الداخلي، فخروجُ الأمة من دائرة الحاكمية لله إلى دائرة الحاكمية للأهواء والمصالح ليس له إلا محصلةً واحدة وهي اشتغال النار الداخلية بين أفراد الأمة من ذوي الأهواء والمشارب المختلفة، وجعل بأسهم بينهم شديد.


شارك المقالة: