من هم الذين آمنوا بصالح عليه السلام ودعوته؟

اقرأ في هذا المقال


المؤمنين الذين اتبعوا صالح عليه السلام ودعوته:

لما كان الصراع بين الحق والباطل سُنة الله الماضية في هذا الكون، فقد شاء الله تعالى أن يفترق الخلق في شأن الرسل إلى فريقين، فريقٌ مصدق لدعوتهم ومتبعٌ لهديهم، وفريقٌ مكذب مخالف لهم، يتربص لهم الدوائر، ويحاول بكل الطرق والوسائل صرفهم عن الحق والهدي، وقد بين الله تعالى لنا ذلك في قصة صالح عليه السلام مع قومه، فقد تفرق قومه إلى فريقين، فريقٌ مؤمن مصدقٌ لصالح عليه السلام، وفريق مكذب جاحد للآيات، فقال تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ” النمل:45.
قال الطبري في تفسيره قوله تعالى: “فإذا هم فريقان يختصمون” فلما أتاهم صالح داعياً لهم إلى الله صار قومه من ثمود فيما دعاهم إليه فريقينِ يختصمون، ففريقٌ مصدّق صالحاً مؤمنٌ به، وفريق مكذّب به كافر بما جاء به.
وذكر المُراغي في تفسيره: فريق مصدق صالحاً، وآمن بما جاء به، وصار يتجادلانِ ويتخاصمانِ، وكل منهما يقول أنا على الحق وخَصمي على الباطل، وكان نبي الله صالح عليه السلام، يستعطف من كفر من قومه، وكان الذين كفروا هم الأكثر. وذكر السعدي في تفسيره: منهم المؤمن بالنبي صالح عليه السلام ودعوته ومنهم الكافر والمُتصدي لصالح عليه السلام ودعوته وهم معظمهم.
فلكلِ دعوةٍ رجال يؤمنون بهذه الدعوةِ ويسيرون على خطى صاحب هذه الدعوة فالمؤمنونَ من قوم صالح عليه السلام كانوا هم رجال تلك الدعوة، عندما آمنوا مع صالح عليه السلام بالرغمِ من أنهم هم القلة القليلة من القوم، وهم الضعفاء، لكنهم ثبتوا وأصروا على الإيمان بالله وبدعوة صالح عليه السلام وكفر غالب القوم، كما أخبر الله بذلك، فقال: “فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ” الشعراء:158.
قال أبو زهرة: “وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ“بل كان المؤمنون هم القلة الظاهرة؛ لأن إبليس يجري في نفوس أتباعه مجرى الدم، والله بكل شيءٍ عليم. فأي الله نبيه صالحاً بالناقةِ معجزة خارقةً دالة على صدقه ونبوته، ولكن القوم أصبحوا بين مصدق ومكذب، وبعد تلك المعجزة فقد روي في كتب التفسير تلك القصة عندما طلبوا من صالح معجزةً من أجل الإيمان به.
لقد نقل محمد أمين الشافعي في تفسيره قصة الدعوة للإيمان بصالح عليه السلام: أنّ هذه الناقة هي آيةً مقترحة لقوم صالح، لما حذرهم وأنذرهم سألوه آية: فقال أيّةُ آيةٍ تُريدون؟ قالوا تخرج معنا إلى عيدنا في يومٍ معلوم لهم في السنة، فتدعو إلهك، وندعو آلهتِنا، فإن استجيبَ لك اتبعناك، وإن استُجيب لنا اتبعتَنا. قال صالح: نعم، فخرج معهم، فدعوا أوثانهم وسألوها الإجابة فلم تُجبهم، ثم قال سيدهم، وأشار إلى صخرة صالح منفردةً من ناحية الجبل يُقال لها: الكاثبةُ أخرج لنا من هذه الصخرةِ ناقةً مخترجةً جوفاء وبراء وعَشراء. والمخترجةُ هي ما شاكلت البخت من الإبل، فأخذ صالح عليه السلام مواثيقهم لئن فعلتُ ذلك لتؤمنن ولتُصدقنّ؟ قالوا: نعم. فصلى ركعتين ودعا ربه، فتمخضتُ الصخرة تمخضُ النتوجَ بولدها، ثم تحركت، فانصَدعت عن ناقة كما وصفوا، لا يعلم ما بين جنبيها إلّا الله عظماً وهم ينظرون، ثم نتجت سقباً مثلها في العظم، فآمن به جندع ورهطٌ من قومه، وأراد أشرافُ ثمود أن يؤمنوا، فنهاهم بعض الأشراف من القوم وكانوا من أشرافِ ثمود، وهذه الناقة وسقيها مشهورٌ قصتهما عند جاهلية العرب، قال أبو موسى الأشعري: أتيتُ أرض ثمود فذرعتُ صدر الناقة، فوجدتهُ ستينَ ذراعاً.
وثبّت الله الذين آمنوا معه على إيمانهم، ولعنَ الله الذين كفروا من قوم ثمود، ودائماً الذين يكذبون ويكفرون بدعوة الحق أولاً هم الملأ والسادة، وكل ذلك خوفاً على عروشهم وعلى سيادتهم ومُلكهم لأقوامهم، وأكثر من يتبعُ الأنبياء عليهم السلام ويؤمن بهم وبِدعوتهم هم الضعفاء المظلومين، فآمن مع صالح عليه السلام القلةُ القليلة من القوم، وكانوا من الضعفاء، كما أخبر بذلك الله تعالى: “قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ” الأعراف:75.
فنلاحظ من هذه القصة: إن الذين آمنوا بدعوة نبي الله صالح عليه السلام، هم قليلون من القوم وهم من الناس الضعفاء، وأن الذين تصدوا لدعوة نبي الله صالح عليه السلام وكفروا بهذه الدعوة والذين اتهموا صالحاً بالسفاهة والجنون هم الأشراف، كما هو مذكور عند أهل التفسير. وبالرغم من هذا العدد القليل الذين استجابوا لله ورسوله صالح عليه السلام، إلا أنّ الدعوة بقيت مستمرةً وبقي الناس يحملون همّ الدعوة إلى الله، ولا يزالون الأنبياء يسيرون على نهج النبي صالح عليه السلام في الدعوة، فالبرغم من الأسى الذي لقيهُ نبي الله صالح، إلا أنه لم ييأس من دعوتهم إلى الإيمان بالله، وأنه قد استخدم معهم جميع الأساليب الجميلة واللطيفة واللينة وغير ذلك، وأنه ظل يدعوهم حتى ابيض شعره.


شارك المقالة: