من هم الذين كفروا بالنبي هود عليه السلام ودعوته؟

اقرأ في هذا المقال


الكافرون بهود عليه السلام ودعوته:

لقد قال سيد قطب: إن هذا القصص يصور طبيعة الإيمان وطبيعة الكفر في نفوس البشر، ويعرض نموذجاً مكرراً للقلوبِ المستعدة للإيمان، ونموذجاً مكرراً للقلوبِ المستعدة للكفر أيضاً، إن الذين آمنوا بكلِ رسول لم يكن في قلوبهم الاستكبار عن الاستسلام لله والطاعة لرسوله، ولم يُعجبوا أن يختار الله واحداً منهم ليُبلغهم ويُنذرهم، فأما الذين كفروا بكل رسولٍ فقد كانوا هم الذين أخذتهم العزة بالإثم، فاستكبروا أن ينزلوا عن السلطان المغتصب في أيديهم لله صاحب الخلق والأمر، وأن يسمعوا لواحد منهم كانوا هم الملأ من الحكام والكبار والوجهاء وذوي السلطان في قومهم.
فقد بعث الله نبيه هوداً عليه السلام إلى قومه عاد ليَدعوهم إلى التوحيد، وترك عبادة الأصنام، فكذبوا به، وكثيراً من الملأ من كذب بهود عليه السلام، واتهموه بالسفاهة والطيش وذلك خوفاً على عروشهم ومُلكهم، وبدأ الملأ من القوم يتهمونه بالسفاهة والكذب والجنون، وكثيراً من التُهم التي ورد ذكرها في كتاب الله، فقال تعالى: “وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ” الأعراف:65-66.
لقد جاء في تفسير هذه الآية: أنه هذا رسولٌ آخر من رُسل الله الكرام، هو “هود عليه السلام” يجيءُ بعد نوح إلى قومه عاد فيدعوهم إلى توحيد الله، ويلقى منهم ما لقيَ نوح من قومه من تكذيب وتسفيه، ولكنه يمضي معهم كما مضى نوح مع قومه ناصحاً لهم، ومتلطفاً بهم، يُقال السيئة بالحسنة، والشر بالخير، وهم مع هذا لا يزدادون إلا عِناداً وإصراراً على ما هم فيه من عمى وضلال وكفر وتكذيب.
قال أبو زهرة: وإنّ الذين يَردون هم الكبراء البارزون فيهم، كشأن أعداء الأنبياء دائماً؛ لأنهم الذين يخافون على سلطانهم، كما رأيت في الذين عاندوا نوحاً وكفروا به، وكما رأيت في الذين عاندوا محمداً عليه الصلاة والسلام، وكما نُلاحظ في الذين عاندوا هوداً أخا عاد، وقد بادروهُ بالطعنِ في شخصه فقال في شخصهِ: “إنّا لنراك في سفاهةٍ” وأكدوا ذلك “بإنّ” و”باللام”، أي إنّا لنراك في خفة عقل وحمق وطيش وذلك استخفاف به؛ لأنهم ضالون، ودعاهم إلى الحق الذي لا ريب فيه، وأما طعنهم في قوله، فهو قولهم: “وإنّا لَنظُنّك من الكاذبين” والظن هنا هو أول العلم المزعوم عندهم، وذلك بدليل أنهم أكدوا حكمهم “إنّ” و”اللام” وكونه داخلاً في زمن الكاذبين، وقد يُطلق الظن بمعنى العلم.
وذكر السيد قطب: فكأنما كبر على الملأ الكبراء والرؤساء من قومه أن يدعوهم واحد من قومهم إلى الهدى، وأن يستنكر منهم قلة التقوى، ورأوا فيه سفاهة وحماقةً وتجاوزاً للحد وسوء تقديرٍ للمقام فكذبوا نبي الله الذي بُعث فيهم، فانطلقوا يتهمون نبيهم بالسفاهة والكذب جميعاً من غير تحرج ولا حياء. وقد ذكر الله كثيراً من الآيات التي تدل على كفر وتكذيب قوم عاد لنبيّه هود عليه السلام، ونذكر منها، قال تعالى: “وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍوَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ” هود:59-60.
ذكر المُراغي في تفسيره: وقد أحللنا بهم نِقمتنا وأنزلنا بهم عذابنا؛ لأنهم جحدوا وكفروا بآيات ربهم وحججه، وعَصا رسله الذين أرسلهم إليهم للدعاء إلى توحيده واتباع أمره، وهم وإن كانوا قد عصوا رسولاً واحداً، فإن عصيان واحد منهم عصيانٌ للجميع؛ لأنه ما كان إلّا لنفي الرسالة نفسها بدعوى أن الرسول لا يكون بشراً وقد اتبع سوادهم ودُهماؤهم كل جبارٍ عنيد سواء كانوا من رؤسائهم الطغاة العُتاه المستبدين الذين يأبون الحق ولا يذعنُون له وإن قام عليه الدليل. فقال تعالى: “كذّبت عادٌ المرسلين” الشعراء:123.
وقد ذكر وهبة الزحيلي: أنه بعد أن ذكر الله تعالى تكذيب قوم نوح عليه السلام بدأ به؛ لأن تكذيبهم كان أبلغ وأشد، حيثُ دعاهم قريباً من ألفِ سنة، وأصروا على التكذيب، أعقبهُ بقصة قوم عاد الذين كذبوا نبي الله هوداً عليه السلام، تأكيداً للعظةِ والعبرة، وتوضيحاً للمشركين المكذبين في مكة وأمثالهم بأن عاقبةُ المكذبين الهلاك والدمار، دون تفاوت بين الأقوام.
قال البيضاوي: كذبت عادٌ بالقارعة بالحالة التي تقرع فيها الناس بالإفزاعِ والأجرام والانفطار والانتشار، وإنما وضعت موضع ضمير الحاقة زيادة في وصف شدّتها. وبعد أن عرضنا السرد القرآني وبعض أقوال العلماء في تفسير الآيات القرآنيةِ يُلاحظ الباحث بأن قوم ثمود كذبوا نبي الله هود عليه السلام منذُ بداية دعوته، وبدأ القوم يتهمونه بالجنون والسفاهة، وأن أصنامهم التي كانوا يعبدونها قد مست هوداً بشيءٍ من الجنون، وذلك بسبب أنه دعا لعبادة الله وحده، وترك عبادة الأصنام، وقد وعظهم هوداً عليه السلام بشتى أساليب الترغيب والترهيب، وجاءهم بالبيناتِ على صدقِ قوله، لكن القوم نفوا الإيمان عن أنفسهم وقالوا لهود: سواء علينا وعظتّ أم لم تَعظُنا لن نؤمن لك بهذه السهولة، وأن مجرد أن تدعونا بقولك نؤمن لك، فَكفروا بآيات الله وجَحدُوها، فأنزل الله عليهم العذاب الشديد، وكان أكثر القوم من الذين كفروا برسالة ونبوةٍ هود عليه السلام، وهذا حالُ جميع الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم.


شارك المقالة: