هلاك قوم عاد:
لقد نجى الله تعالى نبيه هود عليه السلام والذين آمنوا معه من العذاب والهلاك الذي أصاب الكافرين من قومه عاد، وكل ذلك بسبب إيمانهم بقوم هود عليه السلام، فنَجوا من العذاب الذي أصاب الذين كفروا برسالة ونبوة هود عليه السلام، فكان أكثر القوم من الكافرين المكذبين لنبوةِ هود عليه السلام، وبالرغم من كفرهم وتكذيبهم دعاهم هود للإيمان بالله وعبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة الأصنام والأوثان، وقال بلسان المشفق المُحب لقومه، إني أخافُ عليكم عذاب يومٍ عظيم وكل ذلك الترغيب والترهيب، إلّا أن القوم لم يستجيبوا لدعوته ولم يتوقفوا عند التكذيب وحده، بل اتهموه بالسفاهة والجنون وأن الآلهة التي كانوا يعبدونها قد أصابته بشيءٍ من الغضب فأصبح هود يدعوا يقول هذا القول، لكن سنة الله ماضية في هذا الكون، فالله أحق أن ينصر نبيهِ على أولئك الكفرة المكذبين الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، واغترّوا بقوتهم، وقالوا: من أشدّ منا قوة، فكان الجواب من فوق سبع سموات، ومن فوق العرش، ألم يعلموا أن الذي خلقهم هو أشدّ منهم قوة، فتمادى القوم في الضلال والغي والعتو والإفساد في الأرض بتلك القوة التي أعطاها الله لهم، ثم وعدهم نبيهم بزيادة تلك القوة في حال الإيمان بالله وحده لكن الملأ من القوم والأسياد والأشراف خافوا على مناصبهم وعلى عروشهم فكذبوا نبي الله هوداً واتبعهم في التكذيب السفهاء من القوم، فكان الكافرون أكثر من المؤمنين برسالة ودعوة هود عليه السلام، فاستحق القوم العذاب بسبب كفرهم وتكذيبهم وجحدهم لآيات الله تعالى التي جاء به نبي الله هود، فكذبوا ونفوا الإيمان عن أنفسهم، رغم كل الآيات الدالة على صدق نبوة هود عليه السلام، لكن القوم استحبوا العمى على الهدى، فاستحقوا العذاب الشديد الأليم ونحن بصدد البحث عن الآيات التي أكدت لنا استحقاق قوم هود للعذاب، ولغضبٍ من ربهم؛ لأنهم قلدوا آباءهم في عبادة الأوثان، واستعجل قوم عاد العذاب على المغفرة والرحمة.
فقال تعالى: “قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ–قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ” 70-71.
قال محمد الأمين الشافعي: فجئنا يا هود: “بما تَعدنا” أي بما تهددنا به من العذاب على ترك الإيمان بك، وترك العمل بما جئت به من التوحيد والإخلاص والعبادة. فوقع العذاب على قوم عاد؛ لأنهم كفروا بدعوة عليه السلام، وبعد هذا التكذيب والأفتراءِ على الله أهلك الله الكافرين من القوم بسبب كفرهم وتكذيبهم، ونجى الله المؤمنين من القوم برحمةٍ منه بسبب إيمانهم، فقال تعالى: “فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ” الأعراف:72.
وقد ذكر الله تعالى قوم عاد في غير موضعٍ في القرآن وتكذيبهم وجحودهم وعاقبة الكافرين المكذبين لدعوةِ هود عليه السلام، ونذكرها في السياق التالي كي نَجمل قصة إهلاك الكافرين الذين كفروا وكذبوا وجحدوا آيات الله تعالى، فلذلك ذكرهُم الله في أكثر موضع، وذكر قصة تكذيبهم لرسولهم الذي بعث فيهم يدعوهم ويُرغبهم في الإيمان ويُخوفهم من العذاب ولكن القوم استعجلوا العذاب على المغفرة، فوقع بهم العذاب واللعنة في الدنيا والآخرة، كما ذكرت الآيات الكريمة تلك القصة، وكيف أهلك الله قوم عاد الذين طغوا في البلاد وأفسدوا فيها، ولم يؤمنوا بنبيّ الله هود عليه السلام، وما كان أكثر القوم إلّا كافرين وجاحدينَ للنبوةِ والدعوة التي دعا بها هود قومه، وقال لهود: جئنا بما تعدنا من العذاب، وما هذا الخلقُ إلا خلق الأولين، وما نحن بِمُعذبين، كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام، وكذلك قالت الأعراب للنبي محمد عليه الصلاة والسلام مثل قوم عاد وبذلك كأنهم واحد في ردودهم، وصدق من قال: ملة الكفر واحدة، فقال تعالى: “فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ –إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ–فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ” فصلت:13-15.