من هم المنكرون لظاهر المهدي؟
لقد اشتهر عن البعض إنكار أصل ظاهرة المهدي، والمنكرون في غالبهم كانوا إمّا أنه يرى أنّ المقصود بالمهدي عيسى عليه السلام وإما يكون قليل البضاعة في صنعة الحديث، وإما يكون من المدرسة العقلانية قديما وحديثاً ممن حكمت العقل في الشرع، وإما يكون ممن تأثر بدراسات المستشرقين ومناهجهم، أو قد يكون الإنكار من باب ردة الفعل من اختلاط هذه الظاهرة ببعض الأوهام.
الشخصيات التي أنكرت وجود المهدي:
سنتناول هنا بعض الشخصيات ما ورد عن مجاهد والحسن البصري وما أُثر عن ابن خلدون ومحمد رضا من إنكار لظاهرة المهدي.
أولاً: مجاهد والحسن البصري وظاهرة المهدي: لقد ورد عن مجاهد والحسن البصري أنهما يريان أنّ المهدي هو عيسى بن مريم، وما ورد عنهما إنما وصل من طرق ضعيفة لا يعتد بها. وعلى اعتبار صحة ورود هذا الرأي عنهما، فإنّ مرجعه أثر أخرجه ابن ماجه وفيه “ولا المهدي إلا عيسى ابن مريم”. وهذا الحديث أخرجه الحاكم في مستدركهُ، وقال عقبة: إنما ذكرت هذا الحديث تعجباً، لامحتجاً به، والحديث ضعفه البيهقي، وقال عنه الذهبي في الميزان منكر، وقال الصنعاني، موضوع وممن ضعفه أيضاً الآبري والقرطبي.
وعلى فرض صحة الأثر، فليس فيه ما ينفي خروج المهدي من عترة النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الأخبار الكثيرة الواردة عن وصف المهدي واسمه واسم أبيه واضحة وصريحة بأن المهدي غير عيسى عليه السلام. وغاية ما فيه أنه أثبت أنه لا مهدي كامل معصوم إلا عيسى عليه السلام؛ أي أنّ عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، بحيث يصحّ أنّ يُقال لا مهدي في الحقيقة سواه وإن كان غيره مهدياً.
يقول ابن كثير: هذا الحديث فيما يظهر ببادئ الرأي مخالف للأحاديث الواردة في إثباتُ مهدي غير عيسى عليه السلام، وعند التأمل لا ينافيها، بل يكون المراد من ذلك أنّ المهدي حق المهدي هو عيسى عليه السلام ولا ينفي ذلك أنّ يكون غيره مهدياً أيضاً. إذ أنّ محصلة هذه الشبهة هو أنّ ورود هذا الرأي عن مجاهد والحسن البصري ورد بطرق ضعيفة مما يُعزز احتمالية أنه منسوب لهما كذباً، وعلى فرض صحة وروده عنهما، فهو اجتهاد منشؤه حديث ضعيف السند محتمل الدلالة.
ثانياً: ابن خلدون وظاهر المهدي: ويُعتبر ابن خلدون المؤرخ المشهور من المنكرين لظاهر المهدي، واعتمده في إنكاره على منهج النقد لدى المحدثين، حيث عرض أحاديث المهدي، وفند أسانيدها، وخلص إلى نتيجة أنها لا تصلح لإثبات هذه الظاهرة، ورأيه يظهر هذا التعقيب الذي ذكره بعد مناقشته للأحاديث، حيث يقول: فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي، وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل، أو الأقل منه، وقال أيضاً: فإنّ صح ظهور هذا المهدي، فلا وجه لظهور دعوته إلا بأن يكون منهم: أي من الفاطميين القاطنين في الحجاز وغيرها، ويؤلف الله بين قلوبهم حتى تتم له شوكةً وعصبةً. وهذا كان مجمل رأي ابن خلدون، ويتضح منه أنه لا يجزم بتكذيب الظاهرة، وإنما غاية رأيه أنه يشك فيها، ونظراً لشهرةِ ابن خلدون نقل كثير من العلماء رأيه، إما للرد عليه أو الأخذ به.
ثالثاً: السيد محمد رشيد رضا وظاهرة المهدي: يقول العلامة رشيد رضا رحمه الله: وأما التعارض في أحاديث المهدي فهو أوى وأظهر والجمعُ بين الروايات أعسر، والمنكرون لها أكثر، والشبهة فيها أظهر، لذلك لم يعتد الشيخان بشيء من رواياتها في صحيحهما. ويقول أيضاً: ولأجل ذلك كثر الاختلاف في اسم المهدي ونسبه وصفاته وأعماله، وكان لكعب الأحبار جولةً واسعة في تلفيق تلك الأخبار.
شبهة الإمام محمد رشيد رضا: ويتضحُ بأن الإمام رشيد رضا رحمه الله يُشكك بظاهرة المهدي لعدة أسباب ومنها:
إنّ أحاديث المهدي بينها تعارضٌ شديد يصعبُ معه الجمع بين الروايات. وكثرة المنكرين والمشككين في هذه الظاهرة، وشبهة الوضع والتلقين في هذه الظاهرة قوية جداً، ويرجح رضا أنها من تلفيتاتِ كعب الأحبار، عدم إخراج الشيخين شيئاً من أحاديث المهدي في صحيحهما قرينةً قوية على عدم ثبوت شيء منها عندهما، واعتبار أنّ التعارض الشديد بين روايات أحاديث المهدي كفيل يدفعها جميعاً.
وقد ردّ الدكتور الذهبي على محمد رضا اتهامه لكعب بقوله : كما أننا لا نقر الشيخ، أي محمد رضا على هذا الاتهام البليغ لكعب ووهب، ولا على رميهما بالكذب، ولا على ادعاء عزُوهما إلى التوراةِ وغيرها ما ليس فيها، كما أنّا لا نقره على اتهامه لعلماء الجرح والتعديل الذين طهروا لنا السنة وأزاحُوا عنها ما لصق بها من الموضوعات.