من هو إبراهيم عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


التعريف بالنبي إبراهيم عليه السلام:

لقد كثر ذكر اسم إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم، حتى ورد اسمهُ في خمسٍ وعشرين سورةٍ من القرآن، وبلغ مجموع ذكره تسعٌ وستون مرة. والأصل في إبراهيم، من برهم أي أدام النظر، وإبراهيم هو اسم أعجمي، وفي اسم إبراهيم “وإبراهام” و”إبراهوم” و”إبرهم” بغير ياء وبفتح الهاء وكسرها وضمها.
وقرئ لفظ إبراهيم في القرآن بألف، أي “إبراهام” أو ياء مثل “إبراهيم”. وهما لغتان بمعنى واحد، وفي اختلاف القراءة سواء بالألف أو الياء. فيقول ابن منصور: القراءة بالياء للتابع القراءة عليه، ومن قرا إبراهام فهي لغةً عبرانية تركت على حالها ولم تُعرب.
وورد في معنى إبراهيم عليه السلام ما ذكره ابن عطية في تفسيره لقول الله تعالى: “وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ” البقرة:124. أيّ أنّ معناهُ أبٌ رحيم. ويؤكد هذا المعنى السهيلي؛ فهو يرى ذلك لرحمةِ إبراهيم عليه بالأطفال، فكان وزوجتهُ سارة كافلاً لأطفال المؤمنين الذين يموتون صِغاراً إلى يوم الدين، ويوافق القرطبي قول ابن عطية لورود الدليل في ذلك عند البخاري من حديث الرؤيا الطويل والذي جاء فيه: “وأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الذي في الرَّوْضَةِ فإنَّه إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ علَى الفِطْرَةِ قالَ: فَقالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يا رَسولَ اللَّهِ، وأَوْلَادُ المُشْرِكِينَ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وأَوْلَادُ المُشْرِكِينَ، وأَمَّا القَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ منهمْ حَسَنًا وشَطْرٌ قَبِيحًا، فإنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا، تَجَاوَزَ اللَّهُ عنْهم” صحيح البخاري.

نسب إبراهيم عليه السلام:

إن هناك اختلافٌ جلي في نسب إبراهيم عليه السلام، وخصوصاً في اسم والده، إذ دار اختلاف بين أن يكون اسمه آزر كما في صريح القرآن أو يكون اسمه تارخ كما ذُكر في التوراة، وعليه فقد انقسم المفسرون في أقوالهم إلى ثلاثة أقوال وهي كما يلي:

القول الأول:
هو أن آزر اسم أبي إبراهيم عليه السلام، وقد قال بذلك الطبري في تفسيره بعد ذكر أقوال في مسألةٍ معينه فقال: فأولى القولين بالصواب منهما لديهم هو قول من قال: بأن آزر هو اسم أبيه؛ لأن الله تعالى ذِكره أخبر أنه أبوه وهو القول المحفوظ من قول أهل العلم.
القول الثاني: القول بأن آزر ليس اسم أبيه بل هو تارح أو تارخ، وأن آزر هو اسم صنم له، وممن قال بذلك ابن عباس ومجاهد والزجاج. فقال ابن عباس: إن أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر، وإنما كان اسمه تارح. وقال مُجاهد: إنّ آزر لم يكن بأبيه، إنما هو صنم، وقال الزجاج: وليس بين النسابين خلاف أن اسم أبي إبراهيم تارح.
وهناك من يروج طهارة نسب النبي عليه الصلاة والسلام، فيرفضُ أن يكون آزر أباه بل يعدونه عمّاً لإبراهيم عليه السلام، وبذلك يطهروا نسب النبي عليه الصلاة والسلام من أن أن يكون في آبائه مشرك، وأن إبراهيم ما حاور إلا عمهُ، وأما أبوه فلم يكن مشركاً، وممن أشاد بهذا الرأي، هو الإمام السيوطي، ويتبعهم من المحدثين الشيخ الشعراوي، قال السيوطي: وحينئذ يجب القطع بأن والد إبراهيم عليه السلام ما كان من الكافرين، إنما ذاك عمه. وأما الشعراوي فيذكر أنه لو كان آزر هو والده ومات على الكفر، فهذا يعني بُعد الطهارة في نسب النبي عليه الصلاة والسلام، واستدل بالحديث القائل:” لم يلتق أبواي في سِفاحٍ قط، لم يزل الله عزّ وجل ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة، مُصفى مهذباً لا تتعشبُ شُعبتان إلّا كُنت في خيرهما.
القول الثالث: القول بأن آزر لقب وليس بأسمهِ، وممن قال بذلك مقاتل بن حيان وابن الأنباري، قال ابن الأنباري: قد يغلبُ على اسم الرجل لقبهُ حتى يكون به أشهر منه باسمه. ولم يمنع الطبري أن يكون له اسمان كما لكثير من الناس، وحسن ابن كثير رأي الطبري فقال: وهذا الذي قال به جيد قوي.

ما هو الرأي الراجح بين الأقوال:

لقد تبين بأن الراجح في اسم والد إبراهيم عليه السلام هو آزر وذلك لما يأتي:

  • صراحة القرآن والسنة بأن والد إبراهيم هو آزر، فمن صريح القرآن قوله تعالى: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ” الأنعام:74. وأما في السنة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: “يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترةً وغبرة”.
  • صراحة القرآن في عدة مواطن أن والد إبراهيم كان على الشرك، وأن إبراهيم دعاه فلم يستجب، وأنه استفغر له حتى تبين له أنه عدو لله، فتكرار لفظ أبت دليل أنه يخاطب أباه، كما في قوله تعالى: “إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًايَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّايَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّايَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّاقَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّاقَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا” مريم:42-47. فالصحيح حمل الآية على ظاهرها دون حملها على المجاز، إلّا لضرورةٍ أو لوجود قرينة، فالآية السابقُ صريحة وذلك لإثبات أبوةِ آزر لإبراهيم، وأنه مات على الشرك وليس عمه.
  • أما قول الزجاج: وليس بين النسابين خلاف أن اسم أبي إبراهيم تارح فضعّفه الرازي؛ لأن الإجماع أصله واحد واثنين فتم نقله ليصبح بعد ذلك إجماعاً؛ لأنه يُخالف صريح القرآن.
  • وأما استدلال الفريق الثاني بالحديث: لم يزل الله ينقلني من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات، على طهارة نسب النبي عليه الصلاة والسلام من الشرك فمردود من وجوه:
    – ضعف الحديث، فالحديث أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة عن ابن عباس، وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، وضعف الألباني إسناده.
    – أن المقصد من الحديث طهارة نسب النبي عليه الصلاة والسلام من السفاح، واللفظ ظاهر من الحديث بكلمة سفاح، كما دوّن السيوطي في ذكر الأحاديث فقال: باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بطهارة نسبه، وأنه لم يخرج من سفاح من لدن آدم، ودعم ذلك بأحاديث من الصحيح في المعنى.
  • وأما من قال أن آزر لقب وليس اسمه أو اسم صنم، فلا دليل عليه سوى ما ذكر عند أهل الكتاب، وليس ما ذكر عندهم حجة لنا، بل القرآن هو الحجة لنا في كل شيء وما دام التصريح ظهر فكفى به دليلاً، ولا يرد بأي قول.

شارك المقالة: