اقرأ في هذا المقال
عندما كان أبو سفيان في ضيافة هرقل عظيم الروم قال أبو سفيان حينها: ( أنّ أول ما سألني الملك هرقل عظيم الروم عن النبي كيف نسب ذلك الرجل الذي ظهر فيكم ويزعم أنّه نبي من عند الله)، عندها ردّ أبو سفيان قائلاً لهرقل عظيم الروم: (أنّ ذلك الرجل هو فينا في ذو نسب).
ثم قال الملك هرقل لأبو سفيان: هل قال هذا القول منكم أي أحد قبله ( ويقصد هل جاء رجل وقال نفس كلام النبي قبله) ، فردّ أبو سفيان قائلاً للملك: (لا، لم يقله أحد منّا قبله هذا الكلام).
فسأل هرقل عظيم الروم (هل كان من آبائه من ملك)، ردّ أبو سفيان مجيباً: (أن لا لم يكن من آبائه من ملك).
فسأل الملك أبو سفيان: (هل أشراف الناس اتبعوه أم ضعاف الناس)، حينها أجاب أبو سفيان وقال للملك: (بل ضعاف الناس من اتبعوه).
واستمر الملك هرقل بأسئلته لأبي سفيان وقال له: (هل هم يزيدون أم ينقصون)، فرد أبو سفيان على الملك مجيباً: (بل أنّهم يزيدون أكثر وأكثر).
فسأل الملك حينها: (هل يرتدّ أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل في دينه)، قال أبو سفيان للملك: (لا، لا يرتد أيُّ أحد منهم عن دينه).
قال الملك مستمراً في أسئلته: ((فهل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال (يقصد هنا قبل أن يقول أنّه نبي))، قال أبو سفيان مجيباً عظيم الروم: (لا لم يكن كاذباً).
قال الملك: (فهل يغدر ذلك الرجل الذي يزعم أنّه نبي)، قال أبو سفيان: (لا، ونحن منه في مدّة لا ندري ما هو فاعل فيها).
عندها قال الملك لأبي سفيان: ((فهل قاتلتموه (قمتم بقتاله) ))، أجاب أبو سفيان: (نعم لقد قاتلناه).
قال الملك هرقل: (فكيف كان قتالكم مع هذا الرجل)، فردّ أبو سفيان مجيباً: (أنّ الحرب بيننا وبين ذلك الرجل سجال، مرّة ينال منّا ومرّة ننال منه).
ثمَّ استمر هرق بالأسئلة فقال: (ماذا يأمركم ذلك الرجل؟)، فقال أبو سفيان يقول هذا الرجل محمد: ( أن اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، ويطلب منّا أن نترك ما يقول آباؤكما وما وجدناهم عليه من خرافات وترك العبادات المزيفة)، ويأمرنا أن نصلي وأن نتصدق ويأمرنا بالعفاف والصِّلة.
فقال الملك هرقل للترجمان الذي عنده قل له : (سألتك عن نسب ذلك الرجل الذي يزعم أنّه نبي، فأجبتني أنَّه فيكم ذو نسب، وكذلك هم الرُّسل تبعث في نسبٍ من أقوامها).
وسألتك أيضاً هل قال أي أحد منكم ما قال هذا القول قبل أن يقوله ذلك الرجل، فذكرت لي: (أنَّه لم يذكره أحد قبله، ولو كان أحد قال هذا القول قبل ذلك الرجل لقلت أنّ رجل يأتي بكلامِ من قبله).
ومن ثمَّ سألتك أيضاً هل كان من آبائه من ملك فكان جوابك لي: (أن لا، لم يكن من آبائه من ملك، وأكمل هرقل وقال: (ولو كان من آبائه من ملك لقلت أنَّ ذلك الرَّجل يطلب ملك أبيه).
ومن ثمّ أكملت وسألتك هل كنتم تتهمون ذلك الرّجل بالكذب قبل أن يقول ما قاله، فذكرت لي (أن لا، لم يكذب، حينها قد عرفت أنّه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب بكلامه على الله).
وبعد ذلك سألتك هل أنّ أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت لي وأجبت: (أنّ ضعفاء الناس هم من اتبعوه ، وكذلك هم أتباع الرُّسل).
وسألتك هل هم يزيدون أم ينقصون فقلت لي: (بل أنَّهم يزيدون أكثر، وكذلك هو أمر الإيمان حتى يتم).
وبعدها سألتك هل يرتد أحد من اتباعه سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت لي: ( أن لا، لا أحد يرتد، وكذلك هو الإيمان حين يخالط بشاشته القلوب).
وسألتك بعدها أيضاً هل ذلك الرجل يغدر، عندها ذكرت لي : (أن لا، لا يغدر، وكذلك هم الرُّسل لا يغدرون أبداً).
وسالتك بعدها، ماذا يأمركم ذلك الرجل المزعوم، فذكرت لي: (أنّه يأمركم أن تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، وأنّه ينهاكم عن عبادة الأوثان والأصنام، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف وصلة الأرحام، فإن كان ما تقول صدقاً سيملك ذلك الرجل موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنّه خارج ولم أكن أظن أنّ ذلك الرجل منكم ، فلو أنِّي أعلم أنِّي سألقاه لتجشمت للقائه (لتحملت المصاعب للقائه)، ولو كنت عنده لقمت إليه وغسلت قدميه).
ومع دقة أسئلة هرقل ملك الروم إلّا أنّ أبا سفيان قد قدَّم صُورة شاملة عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهي صورةٌ صادقة واضحة عن النَّبي، توضِّح بشكل كبير أنَّ أبا سفيان وهو مشرك كان يَعلم بشكل جيِّد طبيعة رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما يدعو رسولنا إليه مِن مكارم الأخلاق ومن وجوب الصدْق والأمانة، وأنَّ الحرب السِّجال التي كانت بين كفار قريش في مكَّة والنبيِّ في المدينة كانت دائماً حرب على غير أساس عقلي أو أخلاقي أو ديني حتى.