آدم عليه السلام أول البشر:
يُدعى فريق من الناس أن آدم عليه السلام ليس أول نوعه، بل سبقه أنواع من البشر كان آخرهم آدم المعروف، ويَستأنسون بقوله تعالى: “أتجعلُ فيها من يفسد فيها ويسفكُ الدماء” فيقولون إن الملائكة لم تقل ذلك إلا لعلمهم ولرؤيتِهم من تقدموا آدم الذين على صورته قد فعلوا الإفساد وسفك الدماء، وإنِما جاء آدم ليكون خليفة على بشرٍ كانوا من جنسه وبادوا. ويستدلون كذلك بقوله تعالى: “إني جاعل في الأرض خليفة” يقولون إن آدم إنما خلفَ غيره وهم الأمة التي كانت تسكن الأرض قبله في عمران هذه الأرض، فالخليفةُ لا بدّ وأن يشابه من يخلفه ويكون على شاكلته.
وأن القائلون بهذا الرأي هم بعض الباطنية وبعض العلماء المحدثين، فالباطنيةُ يقولون، إن أبانا آدم عليه السلام ليس هو أول آدم في الأرض، بل خلق بشر ثم أفناهم الله، ثم خلق بشر ثم أفناهم الله، وهكذا مرات ومرات، ثم خلق الله عز وجل أبانا آدم وعلى ذريته تقوم القيامة.
ورأى الباطنيةُ هذا مبنيٌّ على الحدس والتخمين، فإن الذي سكن الأرض قبل آدم هم الجن، فرأيهم لا يُستند إلى حقائق قرآنية أو أحاديث نبوية وإنما هو تخيلات وفرضيات وتكهنات، وفي ذلك يقول البوطي: وإياك أن تُلفت إلى ما يقوله بعض الصوفية من زعم أن آدم عليه السلام المذكور قصة خلقه في القرآن مسبوق بأوادمَ كثيرة غيره، ثم يذهبون يجرون ذيل الخيال من تفصيل الحدث عن ذلك، فهذا الادعاء مبني على الحدس المجرد لا يدعمهُ دليل من الخبر الصادق القطعي، ولا برهان يقيني من النظر العلمي.
أما بعض العلماء المحدثين الذين انبهروا بما اكتشفه علماء الجيولوجيا من وجود جَماجم إنسان ترجعُ إلى مئات الألوف من السنين، في حين أن الاعتقاد السائد كان عمر الإنسان لا يتجاوز ستةُ آلافِ سنة، وذلك على حساب رواية التوراةِ التي حسبت عمر الإنسان منذ آدم إلى يومنا الحاضر بحيث لا يتعدى ستة الآف من السنين، وقد تعرضت نصوص التوراة بعد هذه الاكتشافات إلى نقدٍ شديد وخاصة ما جاء في كتاب دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة لِموريس بوكاي الذي انتقد الكتاب المقدس انتقاداً لاذعاً، والانتقادات التي وُجهت إلى الكتاب المقدس بعد الاكتشافات الأثرية وظهور الإنسان التياندرتاَلي، حيث قيلَ أنه موجودٌ قبل نحو ثلاثين ألف سنة، وأن الجنس الموجود الآن لا يمت إليه بقرابةٍ ولا نسبٍ وأن الإنسان التَياندرتالي قد باد وانقرض، فلهذا السبب قالوا إن آدم الموجود في القرآن ليس أول آدم بل أنه سبقهُ أوادم.
وممن قال بهذا الرأي هو عبد الفتاح طبارة حيث يقول: فعلم الأنثربُولوجيا يُقرر أن الأرض سكنها أنواع شتى من البشر قبل آدم معتمداً على تحليل وفحص الجماجم والعظام المتحجرة التي وُجدت في أنحاء المعمورة، والتي قدر العلماء أن بعضها يرجعُ إلى مليون سنة وبعضها إلى ثلاثة أرباع المليون، والبعض إلى أقل من ذلك.
وقال به أيضاً محمود حمزة وزملاؤه أصحاب تفسير عناية البيان في تفسير القرآن حيث قال: وقيل إن بشراً كانوا يسكنوها، ثم دبت بينهم العداوة والبغضاء فأقنى بعضهم بعضاً، ونحن نميلُ إلى هذا الرأي؛ لأنه يتفق مع ما أثبتهُ العلماء من أنهم وجدوا جماجم ترجع إلى ثلاثين ألف سنة، وكلمة خليفة تؤيد هذا المعنى؛ لأنه يخلف من قبله.
ونقول لهؤلاء وأولئك بأن العقل لا يجعل من المحال أن يكون الله قد خلق أوادم قبل آدم هذا لكن الله تعالى لم يذكر لنا سوى آدم الذي نعرفه أباً للبشر وهذا ما صرح به القرآن والسنة النبوية وصرح به كذلك الكتاب المقدس، فقولهم إنّ هناك أوادم قبل آدم مجازفة بلا برهان ولا يستند إلى نص قطعي الدلالة قطعي الثبوت بل هو من قبيل الظن والحدس، والظن لا يغني من الحق شيئاً.
أما خوفهم من أن توجه إلى القرآن انتقادات كما وجهت إلى الكتاب المقدس، فنُحب أن نطمئن هؤلاء أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فقد ذُكرت قصة آدم في القرآن دون تحديدٍ للسنين التي عاشها آدم ولا وأولاده فَلم يُعين القرآن تاريخ وجود الإنسان ولم يحدده بزمن، وإنما تكلم عن خلقه وإسكانهِ الجنة وهبوطه للأرض، وهذا بخلاف ما جاء في التوراة التي حددت تواريخ البشر منذ آدم حتى وقتنا الحاضر، بحيث لم يزد عمر الخليفة كلها على ستة آلاف سنة وهذا يُخالف ما اكتشفهُ العلماء من أن الإنسان سكن الأرض قبل عشرات الآلاف من السنين.