هل الكفارة الواجبة بالإفطار عمداً في رمضان جاءت على الترتيب أم على التخيير؟

اقرأ في هذا المقال


هل جاء ترتيب الكفارة بالترتيب أم على التخيير:

ينحصر هذا الكلام في مسألتين هما هل يكون وجوب الكفارة على الترتيب أو على التخيير وبيان خِصالها والقدر الواجب فيها.

وجوب الكفارة على الترتيب أو على التخيير:

إنَّ في بيان وجوب الكفارة هل هي على الترتيب أم على التخيير، ويكون بيان ذلك فيما يلي:
لقد اتفق الفقهاء على وجوب الكفارة على من جامع عمداً في نهار رمضان وعلى من أكل أو شرب عامداً كذلك. وبعد أن اتفقوا على وجوبها اختلفوا في الوجوب هل هو على الترتيب أو على التخيير في رأيين.
الرأي الأول: يقول إن وجوب الكفارة على الترتيب: وهذا رأي الحنفية والشافعية ورواية للحنابلة، وإنَّ كان الشافعية قيدوا الترتيب بالقادر على خصال الكفارة، أما غير القادر على جميع خصالها، فعندهم رأيان: بأنها هل تستقر في رأيه أم لا تستقر؟ فمن قال أنها تستقر” وهو الأظهر” يرى التخيير بينها فمتى قدر على خصلة منها أداها. ومن رأى أنها لا تستقر في ذمته قال أنها تسقط قياساً على زكاة الفطر وعلى هذا هي مرتبة عند الشَافعين إذا كان المكفر قادراً على جميع الخصال ومخيراً حتى فقد القدرة على جميع الخصال وإنَّ كان استقرارها في الذمة عند فقد القدرة عليها جميعاً فيه قولان في داخل المذهب الشافعي. ومعنى الترتيب هو: ألا ينتقل الكفر إلى واحدة من الواجبات المذكورة إلا بعد العجز عن الذي قبله، بمعنى أن خصال الكفارة هي العتق والصوم والإطعام، فلا ينتقل إلى الصوم إلا بعد أن يعجز عن عتق رقبةٍ ولا ينتقل إلى الإطعام إلى بعد عجزه عن الصوم.
الرأي الثاني: يقول إنَّ الكفارة واجبة على التخيير. وبهذا قال المالكية ورواية عن الحنابلة.
والمقصود بالتخيير: أن يفعل من خصال الكفارة المذكورة ما شاء ابتداء من غير عجز عن الآخر.
سبب الخلاف: وسبب اختلاف العلماء في وجوب الترتيب والتخيير هو تعارض ظواهر الآثار والأقيسة كما يلي:
– من حيث ظواهر الآثار: فالآثار هي: حديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال:هلكت، قال وما أهلكك قال واقعتُ امرأتي في نهار رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة قال: لا، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا قال: أطعم ستينَ مسكيناً.. إلى آخر الحديث. فظاهر هذا الحديث يوجب أنها على الترتيب إذا سأله النبي عليه الصلاة والسلام عن الاستطاعةِ عليها مرتبة مع ظاهر الحديث الذي رواه مالك في موطأه من أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً أنها على التخيير إذ أن لفظ أو انما تقتضي في لسان العرب التخيير وإن كان ذلك من لفظ الراوي الصاحب فقد كانوا أقعد بمفهوم الأحوال ودلالة الأقوال.
– من حيث الأقيسةِ: فمن قاسها على كفارة الظهار أخذ بالترتيب وجعلها شبهها بكفارة الظهار أقرب. ومن قاسها على كفارة اليمين جعل شبهها بكفارة اليمين أقرب ومال بالتخيير ومن هنا نشأ الخلاف.
وأدلة هذه الأقوال:
أدلة الرأي الأول بالترتيب من السنة والقياس:
السنة ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: “هلكتُ وأهلكت، قال: وما أهلكك؟ قال واقعتُ امرأتي في نهار رمضان، قال هل تجد رقبةً تعتقها؟ قال: لا، قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال فهل تجد إطعام ستين مسكيناً قال لا”. فدلالة هذا الحديث هو أن لفظ الحديث بهذا الإيراد يدل على وجوب الترتيب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قد بدأ بالعتق وثنى بالصيام، وثلث بالإطعام ولو كان غير العتق من الصيام والإطعام يحل محله مع وجوده لبَدأَ بهِ.
وأيضاً لو كان الإطعام يحل محل الصيام لذكره بعد العتق، بل أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل بالأعرابي من العتق إلى الصوم ثم إلى الإطعام، وكلَّما كان يذكر خصلة من الخِصال يُقيدها بالإستطاعةِ أيّ بالقدرة عليها، وهذا العمل من النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النحو يدل على وجوب الترتيب.
وأيضاً إنَّ كل الذين رووا هذا الحديث عن الزهري رووه على نحو ما ذكر ما عدا مالك وابن جريج، وكثرة الروايات مع التزام ما ذكر يدلُ على الأخذ بالترتيب وانفراد مالك وابن جُريج بروايةٍ أخرى لم يروها وغيرهما دليل على احتمال الغلط في روايتهما.
وأيضاً لأن الترتيب مأخوذ من لفظ النبي عليه الصلاة والسلام الذي جاء في حديث أبي هريرة في قصة الأعرابي فيه زيادة، والأخذ بالزيادة متعين. وأما التخيير فمأخوذٌ من لفظ الراوي بذكره لفظ “أو” ولعل اعتقاد من الراوي بأن معنى اللفظين على السواء.
أما القياس: إنَّ قياسُهم كفارة الصيام على كفارة الظهار بجامعِ أن كلاً منهما فيه انتهاك للحرمة، فالواقع فيه انتهاك لحرمة الصوم، والظهار فيه انتهاك لحرمة الزوجية والوقاع في رمضان كبيرة من الكبائر والظهار كذلك؛ لأنه منكر من القول وزوراً، فإنَّ كفارة الظهار ذكرت مرتبة بالنص فتحلق بها كفارة الصوم.
أدلة القول الثاني: القائلين بالتخيير أي أنه يكفر بإحدى الخصال المذكورة فأيها أدى برئت ذمته. واستدلوا بالسنة والقياس.
– من السنة: ما روى مالك وابن جريج عن الزُهدي عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم” أن يكفر بعتق رقبةٍ أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً”. ووجه الدلالة هنا أن هذا الحديث دلّ بلفظه على التخيير بين خصال الكفارة واستفيد هنا التخيير من لفظ أو لأنه لوارد الترتيب لما ذكر لفظ أو التي للتخيير، وهذا يُفيد التسوية بين كافة الخصال المذكورة؛ لأنها لو لم تستوِ لرتب وكان يمكنه إسقاط لفظ. وراوي الحديث من الصحابة وهم أفهم لقواعد اللغة ومحمل الألفاظ.
– القياس: فقد قاسوا في كفارة الإفطار عمداً في رمضان على اليمين المنعقدة وكفارة اليمين جاء فيها التخييرابتداءً حيث قال الله تعالى في شأن كفارة اليمين:”فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ“المائدة:89. فجعل الإطعام في كفارة الأيمان هو المذكور أولاً لكنه عبر بلفظ، فدل على التخيير فيها فألحقتَ بها كفارة الصوم والجامع بينهما المخالفة في كل إذا أن الحالف يُخالف ما حلف عليه؛ لأن الأصل في الأعيان البر والصائم يُخالف ما عليه الصوم؛ لأن الصوم يتحقق بالإمساكِ عن شهوتي البطن والفرج وهو بإفطاره عمداً قد خالف فجاءت كفارة الصوم ككفارةِ الصوم اليمين.


شارك المقالة: