تكرر الكفارة بتكرر الوقاع:
لقد اتفق الفقهاء جميعاً على أن الوقاع في رمضان موجب للكفارة، وهذا لم يخالف فيه أحد، ولكن لو تكرر الوقاع فما الحكم، ننظر ما إذا كان التكرر في يومٍ واحد أو في أيامٍ مختلفة. فإنَّ وقع التَكرر في يومٍ واحد بأن، جامع ولم يكفر، ثم جامع في نفس اليوم فقد اتفق الفقهاء على إيجاب كفارة واحدة عليه؛ لكون الكفارة فيها معنى الزجر، والزجر لا يتحقق إلا بعد إخراج الكفارة وهو لم يكفر بعد، فكافةُ الأفعال التي أدت إلى الفساد من الوقاعِ المُتكرر في يومٍ واحد تتداخل وينزجر عنها بكفارةٍ واحدة.
أما إذا جامع فكفر في نفس اليوم فعند الحنابلة عليه كفارة أخرى. وعللوا ذلك؛ بأن الصوم في رمضان عبادة تجب الكفارة بالجماع فيه فتكررت بتكرر الوطء إذا كان بعد التفكير قياساً على الحج؛ ولأنه وطء مُحرم لحرمة رمضان فأوجب الكفارة كالوطء الأول، وأيضاً؛ لأن الكفارة فيها معنى الزجر، ولما لم ينزجر بعد التفكير عن الوطء الأول وعاد إلى نفس الفعل مرةً أخرى كان لا بد من تحقيق الزجر مرةً أخرى لعدم العود إلى الفعل المُفسد للصوم. أما إذا جامع في أيامٍ مختلفة من رمضان فيُفرق بين حالتين وهما، ما إذا كفر أو لم يكفر.
حالة ما إذا كفر قبل الجماع في اليوم الثاني:
فقد أجمع الفقهاء على وجوب التكفير عن اليوم الثاني لوجود الانقطاع بين اليومين؛ لأن كل يوم من رمضان يمثل عبادة مستقلة عن سابقه عن، ولم يخالف في ذلك إلا زفر من الحنفية حيث قال: إنه ليس عليه إلا كفارةً واحدة نظراً لأن رمضان كله عبادة متكاملة، فيُعتبر انتهاكاً لحرمة الشهر وأن تعدد الفعل أو العلة ألحق هذه المسألة بمسألة تكرر الوقاع في أيام مختلفة دون أن يكفر عن الوقاع الأول.
حالة ما إذا وطئ في يوم من رمضان ولم يكفر :
إنَّ في حالة ما إذا وطئ في يوم من رمضان ولم يكفر حتى وطئ في يوم ثانٍ فقد وقع فيها الخلاف على الوجه التالي:
– عند الشافعية والمالكية: قالوا عليه لكلِ يوم كفارة حتى لو وطئ على مدار الثلاثين يوماً، وهذا ما اختاره القاضي من الحنابلة وبعض أصحابه وبه قال الليث.
– وعند الحنفية: واختيار الخرقي من الحنابلة وبه قال الأوزاعي والزهري، حيث يرون أنه تجزئةِ كفارة واحدة.
سبب الخلاف:
والسبب في اختلافهم هو تشبيه الكفارات بالحدود، فمن شبهها بالحدود قال كفارة واحدة تُجزئ في ذلك عن أفعال كثيرةٍ كما يلزم الزاني جلد واحد، وأن زنى أكثر من مرةٍ إذا لم يحدّ لواحدٍ منها. ومن لم يُشبهها بالحدود، جعل لكل واحدٍ من الأيام حكماً منفرداً بنفسه في هتك الصوم فيه أوجب في كل يوم كفارة.
الأدلة:
1. لقد استدل أصحاب الرأي الأول القائلين بتعدد الكفارة الوقاعِ بما يلي:
بأن صوم كل من رمضان عبادة مستقلة وانتهاك حرمته بالجماع يوجِب عنه كفارة. وأيضاً؛ لأن الكفارة فيها معنى الزجر والجماع هو السبب الموجب للكفارة، فيتكررُ الحكم بتكرر سببه ليتحقق الزجر. وأيضاً، أن القول بتكرار الكفارة بتكرار الفعل فيه تغليظ للعقوبة لانتهاك الحرمة المتكرر فتَعدد الكفارة أدعى لتحقيق الزجر سواء كفر بعد الوقاع الأول أو لم يكفر قياساً على الجِماع في حجتين فيكون الأولى عدم التداخل؛ لأن عدم التداخل فيه تغليظ للعقوبة وتحقيق للزجر الكامل.
2. واستدل أصحاب الرأي الثاني القائلين بعدم تعدد الكفارة بتعدد الوقاع:
أما من السنة: وهي ما روى أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال جاء أعرابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: هلكت وأهلكتُ قال وما أهلكك قال: واقعتُ امرأتي في نهار رمضان، فقال النبي عليه الصلاة والسلام، أعتق رقبة.
ووجه الدلالة في هذا الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام أمرهُ بإعتاق رقبة واحدة بقوله: “أعتق رقبة”: بعد قول الأعرابي”واقعتُ” وهو يحتمل المرة الواحدة والتكرار، ولم يسأله النبي عليه الصلاة والسلام هل تكرر الوقاع، أم لا مع الحاجة إلى السؤال، فدل ذلك على أن إيجاب الكفارة لا يختلف بالمرة والتكرار.
أما المعقول: إنَّ صوم رمضان عبادة متكاملة تشمله كله، وهي صومه من بدايته إلى نهايته، فانتهاكِ حرمة الصوم بالجماع الموجب للكفارة يستوي فيه المرة والتكرار؛ لأنه يُعتبر انتهاكهاً لحرمته فحسب، وأن معنى الزجر لازم في هذه الكفارة “أيّ كفارة الإفطار” وذلك بدليل اختصاص وجوبها بالعمد المخصوص في الجناية الخالصة الخالية من الشبهة بخلاف سائر الكفارات والزجر يحصل بكفارة واحدة بخلاف ما إذا جامع فكفر ثم جامع، لأنه لما جامع بعدما كفر علم أن الزجر لم يحصل بالأول.