هل كان خروج آدم عليه السلام وزوجه من الجنة عقوبة لهما؟

اقرأ في هذا المقال


هل كان خروج آدم عليه السلام وزوجه من الجنة عقوبةً لهما؟

أولاً: في الإسلام:
لم يكن خروج آدم وزوجه من الجنة عقوبة؛ وذلك لأن الهبوط إلى الأرض حصل بعد التوبة، وقد قُبلت توبة آدم وتم اصطفاؤه، فلا يُعقل أن تكون العقوبة بعد التوبة والاجتباء.
ولقد كان هبوط آدم وزوجه إلى الأرض لحكمةٍ أزلية،، فقد خُلق آدم ليكون خليفةً في الأرض، فآدم سيخرج من الجنة إلى الأرض التي أعدت وهيأت للخلافة، قال خالد الحذاءِ: خرجتُ خرجةً لي فجئتُ وهم يقولون قال الحسن فلقيتهُ، فقلت يا أبا سعيد آدم للسماء خُلق للأرض؟ فقال: ما هذا يا أبا مُنازل؟ للأرضِ خلقٌ، قلت: أرأيت لو اعتصم فلم يأكل من الشجرة، قال: للأرض خلق فلم يكن يأكل منها.
ومما يدل كذلك على خروج آدم لم يكن عقوبة، وإنما كان مقداراً له من قبل الله، ما جاء في الحديث الصحيح، حديث محاجة آدم وموسى عن أبي هريرة عن رسول صلّى الله عليه وسلم قال: “التَقَى آدَمُ ومُوسَى، فقالَ مُوسَى لِآدَمَ: آنْتَ الذي أشْقَيْتَ النَّاسَ وأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الجَنَّةِ؟ قالَ آدَمُ: أنْتَ مُوسَى الذي اصْطَفاكَ اللَّهُ برِسالَتِهِ، واصْطَفاكَ لِنَفْسِهِ وأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْراةَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَوَجَدْتَها كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَنِي، قالَ: نَعَمْ، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى”. صحيح البخاري.
هذا وقد استبعد الكثير من العلماء والمفسرون أن يكون إخراج آدم عقوبة، فهذا الإمام القرطبي يقول: لم يكن إخراج الله تعالى آدم من الجنة وإهباطهِ منها عقوبة؛ لأنه أهبطه بعد أن تاب وقُبل توبته، وإنما أهبطه إما تأدباً وإما تغليظاً للمحنة، والصحيح في إهباطهِ وسكناه في الأرض ما قد ظهر الحكمة الأزليةِ في ذلك، وهي نشر نسلهُ فيها، من أجل أن يكلفهم ويَمتحنهم ويرتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي، إذ الجنة والنار ليستا بِدار تكليف، فكانت تلك الأكلة سبب هبوطهِ من الجنة، ولله أن يفعل ما يشاء، وهذه منقبة عظيمة وفضيلة كريمة شريفة.
ويقول في ذلك سيد قطب: إذن فآدم مخلوقٌ لهذه اللحظة الأولى، ففيمَ إذن كانت تلك الشجرة المحرمة، وفيم إذن كان الهبوط إلى الأرض وهو وهو مخلوق لهذه الأرض منذ اللحظة الأولى، لعلي ألمحُ أن هذه التجربة كانت تربية لهذه الخليفة وإعداداً كانت إيقاظاً للقوى المذخورة في كيانه كنت تدريباً له على تلقي الغواية وتذوق العاقبة، وتجرع الندامة ومعرفة العدو والالتجاء بعد ذلك إلى الملاذ الأمين، ولقد اقتضت رحمة الله بهذا المخلوق أن يهبط إلى مقر خلافته، مزوداً بهذه التجربة التي سيتعرض لمثلها طويلاً إستعداداً للمعركة الدائبة وموعظة وتحذيراً.
وعلى ذلك فلا يظنن أحد أن آدم أو حواء هم السبب في شقاء البشرية، وأنهما سبب تعاستها، فإن دخول آدم وزوجه الجنة كان لفترة ما، يَتنعما فيها بكل خيراتها، لتحصل تلك التجربة مع الشيطان، فنأخذ منها العبر والدروس لذلك المستقر، الذي سيكون مقر الخلافة.
وفي ذلك يقول الشعراوي: وهكذا كانت قضية التدريب، الأول لآدم وزوجه، ويظنُ الكثيرون أن آدم بمعصيتهِ ربهُ أخرج نفسهُ وأخرجنا معه من الجنة، وكأن آدم هو الذي أخرجنا إلى التعب والكدح، وكان من الممكن أن نظل في الجنة نتنعمُ وهؤلاء يظلمون أباهم؛ لأن القضية تترتب على الإعلان الأول عن آدم، لم يقل إني خلقت آدم للجثة ثم عصى ونزول إلى الأرض، ولكنه قال: “إنّي جَاعلٌ في الأرضِ خليفة” البقرة:30. إذن فمُهمة آدم في الأرض وخلافته على الأرض.
ثانياً: عند أهل الكتاب:
يرى أهل الكتاب أن خروج آدم وزوجه من الجنة كانت عقوبة لهما، هذا ما جاء في سفر التكوين، وقال لآدم، لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها. ملعونة الأرض بسببك بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشِوكها وحسكاً تنبتُ لك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها لأنك من تراب وإلى تراب تعود.
حسب رواية التكوين حكُم على الإنسان بالشقاء الأبدي، في مأكله ومشربه وعمله، وفي حله وترحاله، حتى الأرض التي سوف يعيش عليها ملعونة، وستنبتُ للإنسان بدل الأكل شوياً وحسكاً، وستكون الأرض مدارَ تعبِ الإنسان، تأخذ جهده وعرقة؛ لأنها ستكون مصدر قوته ومأكله ومشربه، وسيحصل على هذه بالتعب والنصب والعرق.
إن هذه الأرض التي هيأها الله لاستقبال هذا الإنسان لكي يبني عليها عليها الخلافة، لذلك وعدهُم باستخلافِها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فقال سبحانه: “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض” النور:55.


شارك المقالة: