هل للصلاة الفائتة أذان؟

اقرأ في هذا المقال


أذان الصلاة الفائتة:

إنّ المُكلف المُصلي إذا فاتتهُ صلاةٌ من الصلوات بعذرٍ من الأعذار الشرعية، مثل النسيان أو الإغماء أو النوم  أو ما شابه ذلك حتى خرج وقتها، فيتوجب عليه أنّ يقضيها، ولكن هناك سؤال؟ هل يؤذن للصلاة الفائتة أم لا. وللفقهاء في هذه المسألة عدة اقوال وهي كما يلي:

القول الأول: وهو انه يُستحبُ أنّ يؤذن للصلاة الفائتةِ، وكان هذا رأي الحنفية  ورأي بعض المالكية، ومعتمداً عند الشافعية. “هو قول الإمام الشافعي في القديم” ومذهب الحنابلة. واستدل القائلون باستحباب الأذان للفائتة من السنة والمعقول.

– السنة: ما روي في قصة ليلة التعريس، عندما نام النّبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة عن صلاة الفجر حتى طلع حاجب الشمس، وفيها قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: “يا بلالُ قم فأذن بالناس بالصلاة”، فتوضأ، فلما ارتفعت الشمس وابيضت قام فصلَّى” متفق عليه.

– المعقول: فالأذانُ سنةٌ من سنن الصلاةِ المفروضة، فيستوي حاله في الوقت أو غيره مثل الإقامة.

القول الثاني: أما أصحاب القول الثاني فقالوا بأنهُ لا يُؤذنُ للصلاةِ الفائتة، وكان هذا رأي المالكيةِ ووجه الشافعية. وهو قول الإمام الشافعي في الجديد ورواية عند الحنابلة، وحكم بكراهته المالكية. ومن الأدلة على هذا القول من السنة والمعقول.

السنة: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هويُّ من الليل، حتى كفينا”، وذلك قول الله تبارك وتعالى: “وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِم لَم يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً” الأحزاب:25.

– قال: “فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام، فصلى الظهر، وأحسن كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام للعصر فصلّاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك”. رواه أحمد.

–  وهناك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة التعريس وفيه: “فدعا بالماء أي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم صلّى سجدتين، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة” صحيح مسلم.

إنّ الدلالة في الحديثيين المذكورين، أنه ذكر الإقامة للصلوات ولم يذكر الأذان، فقد دلّ على أنّ الفائتة من الصلوات لا يؤذن لها.

– أما من المعقول: وقد قيس على فعل النبي عليه الصلاة والسلام، حيث روى ابنُ عمر رضي الله عنهما، بأن النبي عليه الصلاة والسلام جمعَ بين المغرب والعِشاء بمزدلفة كلّ واحدةٍ منهما بإقامة.

القول الثالث: وهو الذي يُبين بأنه لا يؤذن المؤذن للفائتة، إلّا إذا أملّ اجتماعُ الناس، وهو قول بعضٌ من المالكية وجهة من الشافعية. واستدل أصحاب هذا القول بعدم الأذان للفائتة، إلّا إذا أمل الاجتماع بالمعقول، فقالوا إنّ الأذان مشروعٌ للإعلام وجمعٌ للناس، فإذا لم يؤمل الجمع فلا يُشرع الأذان؛ لأنه لا وجه له، أما إذا أملّ الجمع كان له وجهٌ فيُشرع حينئذٍ.

ويظهرُ الترجيحُ في القول هذا  هو النظرُ في الأدلةِ التي سبقت، وأنه يُلاحظ اختلاف الرواياتِ التي وردت في غزوة الخندق وقصةُ التعريس، هي سبب الاختلاف في هذه المسألة كما تقدم. فأمّا روايات غزوة الخندق فقد يعترض عليها بأنها منسوخة بشرع صلاة الخوف، كما صرّحت بذلك بعض الروايات أن هذه الحادثة كانت قبل نزول قوله تعالى: “فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً” البقرة:239. والنسخ قول الجمهور. ولكن ما يتعلق بقصة التعريس،  فالدليلُ عليها ثابت، وقد صحّ فيها ذكرُ الأذان للفائتة؛ وذلك لأن فيه زيادة، والأخذ بها أولى ومن سمع حجّة على من لم يسمع. وبهذا يستحب الأذان للفائتة. هذا إذا كان صلاة واحدة.

ويعود سبب الاختلاف إلى عدة أمور وهي ما يلي:

الامر الأول: وهو اختلافُ رواياتُ الأحاديث الواردة في قضاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة لصلاة الفجر في قصة التعريس، وكذلك قضائهم للصلوات الفائتة يوم الخندق. فجاء في بعض الروايات الأذان لها، وبعضها لم تذكر إلّا الإقامة والبعض أطلق لفظ النداء.

الامر الثاني: الاختلاف في الأذان هل هو حق للوقت، أو للصلاة، أو للجماعة.

الأذان للصلاة الفائتة إذا كانت متعددة:

لقد اختلف بعض الفقهاء القائلين باستحباب الأذان للفائتة لها إذا تعدّدت، وهل يكتفي بأذان للأولى أم يؤذن لكل واحدة منها. ولقد قيل: وهو أنه يؤذن للأولى فقط، وكان هذا بعض الحنفية، وبعض المالكية والمعتمد عند الشافعية، هو قول الإمام الشافعي قديماً، ومذهب الحنابلة. وأدلتهم من السنة والمعقول.

– من السنة: ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء” رواه الترمذي.

– أما المعقول: أن الصلوات الفائتة جمعها وقت واحد فيؤذّن ويقام للأولى ويقام للباقية كجمع المغرب والعشاء في مزدلفة، والظهر والعصر بعرفة. والأرجح في هذه الأقوال: هو القول الأول، وهو الذي يقول بأنه يؤذن للأولى فقط من الفوائت، وذلك لوجاهة ما استدلوا به، وأما أدلة القول الثاني فهي لا تناهض تلك الأدلة.


شارك المقالة: