هل يتوجب على صلاة الجماعة أن تكون في البيت أم في المسجد؟

اقرأ في هذا المقال


صلاة الجماعة تكون في البيت أم في المسجد:

إن مسألة صلاة الجماعة في المسجد أو في البيت لها قولان، وروايتانِ عن الإمام أحمد وهما:
الأولى: له فعلها في بيته، وهذا ما قالت به الحنفية والمالكية وهو أحد الوجهين للشافعية.
الثانية: ليس له فعلها في البيت إلّا من عُذر.
وفي هذه المسألة لها قول ثالث وهو أن فعل الصلاة في المساجد فرض كفاية، وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي.
الرأي الأول: هو حديث الرجلين اللذين صلّيا في رحالهما؛ فإنّ النبي عليه الصلاة والسلام ندبهما إلى فعلها في المسجد، ولم ينكر عليهما فعلها في رحالهما. وكذلك الأمر لحديث ابن محجن بن الأدرع، وحديث عبد الله بن عمر. وفي الصحيحين، عن أنس بن مالكٍ قال: “كان النبي عليه الصلاة والسلام أحسن النّاس خُلقاً، فرُبما حضرت الصّلاة وهو في بيتنا، فيأمرُ بالبٍساط الذي تحتهُ، فيُكنس ويُنضح، ثم يقول عليه الصلاة والسلام ونقوم خلفه، فيُصلّي بنا” رواه البخاري.
وفي الصحيحين أيضاً عنه قال: “سقط النبيُّ عليه الصلاة والسلام عن فرسٍ، فجُحِشَ شِقهُ الأيمن، فدخلنا عليه نعودهُ، فحضرت الصلاة، فصلّى قاعداً” رواه البخاري.
وهناك أيضاً عن أبي ذرّ قال: “سألتُ النبي عليه الصلاة والسلام أيّ مسجدٍ وُضع في الأرض أول؟ قال: المسجدُ الحرام، ثمّ المسجد الأقصى، ثم حيثما أدركتك الصلاة فصلّ؛ فإنهُ مسجدٌ” أصله في البخاري. وصحّ عنه عليه الصلاة والسلام: “جعلتُ لي كلّ أرضٍ طيبةٍ مسجداً وطهورا” أصله في البخاري.
وفي الرواية الثانية: هو ما تقدم من الأحاديث الدالة على وجوبِ الجماعة؛ فإنها صريحةٌ في إتيانِ المساجدِ. وفي مسند الإمام أحمد، عن ابن أمّ مكتومٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المسجد، فرأى في القومِ رِقةً، فقال: “إني لأهم أن أجعل للنّاسِ إماماً، ثم أخرج، فلا أقدرُ على إنسانٍ يتخلفُ عن الصلاة في بيته إلا أحرقتهُ عليه”.
وفي لفظ لأبي داود، ثمّ أتي قوماً يصلون في بيوتهم، ليست بهم علة، فأحرق عليهم بيوتهم وقال له إبن أم مكتوم وهو رجل أعمى، هل تجد لي رخصةً أن أصلي في بيتي؟ قال: “لا أجد لك رخصة”. وقال إبن مسعود: “لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنةّ نبيكم، ولو تركتم سنةً نبيكم لضللتم.
وعن جابر بن عبد الله قال: فقد النبي صلى الله عليه وسلم قوماً في صلاة، فقال: “ما خلفكم عن الصلاة؟ فقالو: لماءٍ كان بيننا فقال: ” لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد”. رواه الدارقطني .
وقد تقدم هذا المعنى عن علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة رضي الله عنهم، فإن خالف وصلى في بيته جماعةً من غير عذرٍ، ففي صحّة صلاته قولان: قال أبو البركان في شرحه: فإن خالف وصلاها في بيته، صحّت ويتخرج أن لا تّصح من غير عذرٍ؛ بناءً على ما اختاره إبن عقيل في ترك الجماعة، حيث إرتكب النهي، ويعضده قوله: “لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد”، قال: والمذهب الصحة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في جماعة وتضاعف على صلاته في بيته او في سوقه خمساً وعشرين ضعفاً ويحمل قوله: “لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد” على نفي الكمال جمعاً بينهما.
قال: والرواية الأولى اختيار أصحابنا، وأن حضور المسجد لا يجب وهي عندي بعيدة جدًّا إن حملت على ظاهرها؛ فإن الصلاة في المساجد من أكبر شعائر الدين وأعلامه، وفي تركها بالكليّة أوفى المفاسد، ومحو أثار الصلاة؛ بحيث تفضي إلى فتور همم أكثر الخلق عن أصل فعلها؛ ولهذا قال عبد الله بن مسعود: “لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم” رواه مسلم.
وقيل أنّ صلاة الجماعة في البيت جائزٌ لآحادِ النّاس إذا كانت تُقام في المساجد. فيكون فعلُها في المساجد فرضُ كفايةٍ على هذه الرواية، وعلى الأخرى فرض عينٍ. وقيل أيضاً أنهُ يدلُ على ذلك جواز الجمع بين الصلاتين للأمطار، ولو كان الواجب فعل الجماعة فقط، دون الفعل في المسجد لما جاز الجمع لذلك؛ لأن أكثر الناسِ قادرون على الجماعة في البيوت، فالإنسانُ غالباً لا يخلو أن يكون عنده زوجة أو ولدٌ أو غلامٌ أو صديق أو نحوهم، فيمكنهما الصلاة جماعةً، وغير ذلك. فلا يجوز ترك الشرط وهو الوقت، من أجل سُنة، فلما جاز الجمع عُلم أنّ الجماعة في المساجد فرضٌ، إما على الكفاية، وإما على الأعيان.
ومن يتأمل السّنة حق التأمل تبيّن له أنّ فعلها في المساجد فرضٌ على الأعيان، إلّا لعارضٍ يجوز معه ترك الجمعة والجماعة، فترك حضور المساجد لغير عذرٍ كترك أصل الجماعة لعذرٍ، وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار.


شارك المقالة: