وقت تأخير زكاة الفطر

اقرأ في هذا المقال


إنَّ الأصل في عدم تأخير زكاة الفطر ويجب أن تخرَج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، فإن حصل مِن الأعذار ما أخَّر إخراجها قبل صلاة العيد وجب إخراجها بعد ذلك في يوم العيد أو بعده، ولا تسقط بتأخيرها.


اختلف العلماء في حُكم تأخير زكاة الفطر على قولين :


القول الأول : وقال به الأحناف : أنَّه يجوز إخراجها مؤخراً لأنَّ وقت أدائها طول العام كله فلو أخرجها المزكي في أي وقت شاء كان مؤدياً لها إلّا أنَّه يستحب إخراجها قبل الخروج لصلاة العيد .


القول الثاني : وقال به الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة : أنَّه إن أخرها عن يوم العيد بلا عذر أثم لتأخيره الواجب عن وقته ولمخالفته الأمر وعليه القضاء لأنَّها عبادة فلم تسقط بخروج الوقت كالصلاة ورجح ذلك الشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ صالح بن فوزان الفوزان بينما ذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إلى عدم إجزائها .


ومن أقوال العلماء وفتاويهم في هذه المسألة :


– قال ابن قدامة رحمه الله في المغني :
المستحب إخراج صدقة الفطر يوم الفطر قبل الصلاة، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، وبين ذلك في حديث ابن عمر وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)، فإن أخرها عن الصلاة ترك الأفضل؛ لأنَّ المقصود منها الإغناء عن الطواف، والطلب في هذا اليوم فمتى أخرها لم يحصل إغناؤهم في جميعه لاسيما في وقت الصلاة، ومال إلى هذا القول عطاء ومالك وموسى بن وردان وإسحق وأصحاب الرأي.
وقال القاضي : إذا أخرجها في بقية اليوم لم يكن فعلٌ مكروه لحصول الغناء بها في اليوم قال سعيد : حدثنا أبو معسر عن نافع عن ابن عمر قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج وذكر الحديث قال فكان يؤمر أن يخرج قبل أن يصلي فإذا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه بينهم وقال : ( أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم ) وقد ذكرنا من الخبر والمعنى ما يقتضي الكراهة فإنّ أخرها عن يوم العيد أثم ولزمه القضاء وحكي عن ابن سيرين والنخعي الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد وروى محمد بن يحيى الكحال قال : قلت لأبي عبدالله فإن أخرج الزكاة ولم يعطها قال نعم إذا أعدها لقوم وحكاه ابن المنذر عن أحمد واتباع السنة أولى ) .


ولنا قول ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ولأنَّها تضاف إلى الفطر فكانت واجبة به كزكاة المال وذلك لأنَّ الإضافة دليل الاختصاص والسبب أخص بحكمه من غيره والأضحية لا تعلق لها بطلوع الفجر ولا هي واجبة ولا تشبه ما نحن فيه.


– قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله في مجالس شهر رمضان :


( وأمَّا وقت وجوب الفطرة فهو غروب الشمس ليلة العيد فمن كان من أهل الوجوب حينذاك وجبت عليه وإلّا فلا وعلى هذا فإذا مات قبل الغروب ولو بدقائق لم تجب الفطرة وإن مات بعده ولو بدقائق وجب إخراج فطرته ولو وُلِدَ شخص بعد الغروب ولو بدقائق لم تجب فطرته لكن لا بأس بإخراجها كما سبق وإن ولد قبل الغروب ولو بدقائق وجب إخراج الفطرة عنه وإنَّما كان وقت وجوبها غروب الشمس من ليلة العيد لأنَّه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان وهي مضافة إلى ذلك فإنَّه يقال : زكاة الفطر من رمضان فكان مناط الحكم ذلك الوقت .


– قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في الملخص الفقهي :


( تجب زكاة الفطر على كل مسلم ذكراً كان أو أنثى صغيراً أو كبيراً حراً كان أو عبداً لحديث ابن عمر الذي ذكرنا قريباً ففيه أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وفرض بمعنى ألزم وأوجب .


كما في الحديث أيضاً بيان مقدار ما يخرج عن كل شخص وجنس ما يخرج فمقدارها صاع وهو أربعة أمداد وجنس ما يخرج هو من غالب قوت البلد براً كان أو شعيراً أو تمراً أو زبيباً أو أقطاً … أو غير هذه الأصناف ممّا اعتاد الناس أكله في البلد وغلب استعمالهم له كالأرز والذرة وما يقتاته الناس في كل بلد بحسبه .


كما بيَّن صلى الله عليه وسلم به وقت إخراجها وهو أنَّه أمر بها أن تؤدِّي قبل صلاة العيد فيبدأ وقت الإخراج الأفضل بغروب الشمس ليلة العيد ويجوز تقديم إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين فقد روى البخاري رحمه الله ” أنَّ الصحابة كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين فكان إجماعاً منهم ” .


وإخراجها يوم العيد قبل الصلاة أفضل فإنْ فاته هذا الوقت فأخَّر إخراجها عن صلاة العيد وجب عليه إخراجها قضاء لحديث ابن عباس : من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ويكون آثماً بتأخير إخراجه عن الوقت المحدد لمخالفته أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ) .


قال ابن القيم رحمه الله : “مقتضاه أنَّه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد” قلت : يعني من غير عذر وأنَّها تفوت بالفراغ من الصلاة .
وقال شيخ الإسلام : “إن أخَّرها بعد صلاة العيد فهي قضاء ولا تسقط بخروج الوقت” .
وقال غيره : اتفق الفقهاء على أنَّها لا تسقط عن من وجبت عليه بتأخيرها وهي دين عليه حتى يؤديها وأن تأخيرها عن يوم العيد حرام ويقضيها آثماً إجماعاً إذا أخَّرها عمداً .
هل وقت إخراج زكاة الفطر من بعد صلاة العيد إلى آخر ذلك اليوم .


وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي : ( وإن قدمها قبل ذلك بيوم أو يومين أجزأه وجملته أنَّه يجوز تقديم الفطرة قبل العيد بيومين لا يجوز أكثر من ذلك وقال ابن عمر : كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين وقال بعض أصحابنا : يجوز تعجيلها من بعد نصف الشهر كما يجوز تعجيل أذان الفجر والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل وقال أبوحنيفة : ويجوز تعجيلها من أول الحول لأنَّها زكاة فأشبهت زكاة المال وقال الشافعي : يجوز من أول شهر رمضان لأنَّ سبب الصدقة الصوم والفطر عنه فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد ملك النصاب ولنا ما روى الجوزجاني : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا أبو معشر عن نافع عن ابن عمر قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر به فيقسم قال يزيد أظن : هذا يوم الفطر ويقول أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم ) والأمر للوجوب ومتى قدمها بالزمان الكثير لم يحصل إغناؤهم بها يوم العيد وسبب وجوبها الفطر بدليل إضافتها إليه وزكاة المال سببها ملك النصاب والمقصود إغناء الفقير بها في الحول كله فجاز إخراجها في جميعه وهذه المقصود منها الإغناء في وقت مخصوص فلم يجز تقديمها قبل الوقت فأمَّا تقديمها بيوم أو يومين فجائز لما روى البخاري بإسناده عن ابن عمر قال : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان وقال في آخره : وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين ) وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعاً ولأنَّ تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منها فإنَّ الظاهر أنَّها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغنى بها عن الطواف والطلب فيه ولأنَّها زكاة فجاز تعجيلها قبل وجوبها كزكاة المال والله أعلم ) أهـ .
وخلاصة الأمر أنَّه يجوز تعجيل صدقة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين وفي ذلك تحقيق لمصلحة للفقير
الشيخ : حسام الدين عفانة.



شارك المقالة: